ترسيم الحدود البحرية مع قبرص: من خطأ 2007 إلى خطيئة 2025

إيلي الفرزلي

24/09/2025

انشر المقال

مع كلّ خطوة يخطوها لبنان نحو ترسيم حدوده لتثبيت حقوقه، تكون النتيجة خسارة المزيد منها. هذا ما حصل في العام 2007، وهذا ما حصل في العام 2022، وهذا ما يحصل حالياً.
عندما قررت الحكومة اللبنانية في 17 كانون الثاني 2007 توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع قبرص، كانت النتيجة التفريط بنحو 860 كلم مربع في الجنوب (قبل أن يتبيّن لاحقاً أنه كان يمكن أن يطالب بـ 1430 كلم مربع إضافية). إذ أنّ لبنان وافق على أن تكون النقطة الثلاثية بين لبنان وقبرص وفلسطين المحتلة هي النقطة 1، بالرغم من أن هذه النقطة لا سند قانونياً لها. تلك السقطة، وبالرغم من أن هذه الاتفاقية لم تُبرم في مجلس النواب ولم يعتمدها لبنان رسمياً، استغلّتها إسرائيل سريعاً لترسّم حدودها على أساسها، كما استغلتها مع قبرص لتوقيع اتفاقيّة ترسيم بينهما على أساسها.

بعدها، وفي محاولة للتعويض، استدركت الحكومة في العام 2008 خطأ العام 2007، واستبدلت النقطة 1 بالنقطة 23 التي تُعيد للبنان ال 860 كلم مربع التي كان قد خسرها جنوباً من جراء الاتفاقية مع قبرص. لكن هذه المساحة تحوّلت سريعاً إلى منطقة متنازع عليها بين لبنان وإسرائيل، التي أصرّت على النقطة 1.

في 14 تموز 2010، أودع لبنان الأمم المتحدة إحداثيات حدوده الجنوبية المحددة في النقطة 23، مستبقاً القانون 163/2011 الصادر في 18 آب، الذي يرعى تحديد المناطق البحرية، والذي تبعه المرسوم 6433 في تشرين الأول من العام نفسه، مثبتاً إحداثيات النقطة 23.

الإشكاليّة الأساسيّة في إقرار المرسوم والقانون أنهما لم يكترِثا لنتائج دراسة كانت قد طلبتها الحكومة من المكتب الهيدروغرافي البريطانيّ حول تعيين الحدود البحريّة. فالدّراسة التي صدرت قبل يوم واحد من إقرار القانون، أوصتْ باعتماد طريقة خطّ الوسط، لكن من دون احتساب أيّ تأثير للنتوء الصخري المسمّى “جزيرة تخليت” في شمال فلسطين، ما يعني عملياً أنّ الخط الحدودي الفعلي يصل إلى جنوب النقطة 23، وهو ما اصطلح على تسميته لاحقاً بالنقطة 29 أو النقطة 23 برايم. هذه النقطة، عاد وأكّد عليها الجيش في حزيران 2018، حين قامت مصلحة الهيدروغرافيا في الجيش اللبناني بمسح خطّ الأساس للشاطئ اللبناني الجنوبي وتحديد نقطة انطلاق الحدود البحرية، أي نقطة رأس الناقورة، بدقة عالية، حيث تبيّن أن للبنان حقّ بمساحة 1430 كلم مربع فوق الـ 860 كلم مربع التي يُنازعنا عليها العدوّ.

في نيسان 2020، كلّف رئيس الجمهورية الجيش اللبناني باستكمال ملفّ ترسيم الحدود البحريّة الجنوبيّة بالتعاون مع الخبير نجيب مسيحي، حيث تمّت إعادة دراسة الملفّ بصورة معمّقة، وتمّ التوصّل إلى النتيجة نفسها، أي ضرورة إجراء التعديل على المرسوم 6433/2011 باستبدال الخطّ 23 بالخطّ 29، وكان من المقرّر طرح الموضوع على جلسة مجلس الوزراء بتاريخ 21 تمّوز 2020. لكنّ الأمر لم يحصل، لأن الوساطة الأميركية التي كانت بدأت في العام 2012، عبر الموفد فريديريك هوف (خطة “خط هوف” لتقاسم 860 كلم مربع)، ولم تُستكمل، أُعيد إحياؤها بين العامين 2018 و2019، مع الموفد الأميركي ديفيد ساترفيلد. إلا أن الأمر يتقدم أيضاً حتى العام 2020، حين أعلن الرئيس نبيه بري عن اتفاق إطار بوساطة أميركية، ينصّ على مفاوضات غير مباشرة بين لبنان وإسرائيل برعاية الأمم المتحدة وفي الناقورة.

المفاوضات التي بدأت رسميًا في 14 تشرين الأول 2020 في الناقورة، وتخلّلتها 5 جولات رئيسية، ثم جمّدت، قبل أن تستأنف بوساطة أميركية مكثفة (أعقبت إرسال حزب الله مسيّرات إلى سماء حقل كاريش الاسرائيلي)، أدّت إلى الاتفاق النهائي في 27 تشرين الأول 2022، الذي اعتمد النقطة 23 نقطة ثلاثية، لا النقطة 29. وهكذا تكون إسرائيل قد وافقت على التنازل عن المنطقة التي كانت تعتبرها متنازعًا عليها كاملة (ما بين النقطة 1 والنقطة 23) ويكون لبنان قد تخلى عن المطالبة رسمياً بالترسيم على أساس النقطة 29، التي لم يثبّتها لا من خلال تعديل مرسوم إحداثيات الحدود ولا من خلال رسالة إلى الأمم المتحدة.

محاولات تصحيح لم تكتمل

التركيز على الحدود الجنوبية انطلق من افتراض أن المعضلة الجدّية هي مع الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي فإنه ينبغي للتنقيب في البلوكات الجنوبية حسم مسألة الحدود. ومن شأن ذلك أن يغفل حقيقة أنّ اتفاقية 2007 لم تكن كارثيّة فيما يتعلق بتحديد النقطة الثلاثية في الجنوب وحسب، بل كانت كذلك في النقطة الثلاثية الشمالية وفي الخط الشرقي الفاصل بين المياه القبرصية والمياه اللبنانية. فهي اعتمدت النقطة الثلاثية 1 جنوباً و6 شمالاً، كما اعتمدت خط الوسط بين السواحل اللبنانية والسواحل القبرصية. وهما أمران تبين أنهما غير صحيحين أيضاً، وكلّفا لبنان غالياً.

وبناء عليه، في العام 2023، قدّم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى نظيره القبرصي طلباً رسمياً لإعادة التفاوض على اتفاق تحديد المناطق الاقتصادية الخالصة الموقع عام 2007، استناداً إلى تقرير اللجنة التي كلّفها تحضير وإعداد مشاريع تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة من الجهتين الغربية والشمالية ويرأسها وزير الأشغال السابق علي حمية، وتضم ممثّلين عن قيادة الجيش، وزارة الخارجية، وإدارة قطاع البترول، خلص إلى وجود ثغرات في صيغة الاتفاق نتج عنها خسارة لبنان ما بين 1600 كلم مربع و2643 كلم مربع من مياهه. وقد أوضحت اللجنة أن اعتماد آلية ترسيم جديدة بات ضرورياً. وهنا لا بد من التوضيح أن اتفاقية العام 2007 كانت قد رسّمت الحدود بين البلدين وفق آلية خط الوسط، وهي آلية تعتمد على تحديد مجموعة من النقاط المتقابلة على البرّ بين البلدين، ومن ثم رسم خط وسطي بين هذه النقاط. لكن توصية اللجنة الصادرة في 31/1/2023، جاءت لتدعُو إلى آليّة ترسيم جديدة تنطلق من خطّ الوسط، لكن مع مراعاة الظروف الخاصّة والتناسب في أطوال الشواطئ، فطالبت اللجنة بتعديل المرسوم 6433 على هذا الأساس. وقد انطلق ذلك التعديل من حقيقة أن “التطبيق الحرفي لخطّ الوسط قد يؤدي إلى نتائج غير منصفة في الحالات المعقّدة جغرافياً أو ديموغرافياً، وبالتالي باتت إعادة الترسيم حاجة وطنية ملحّة، مع إمكانية أن يسلك هذا الترسيم مسارات سلمية غير قضائية نظراً للعلاقة الودية التي تربط لبنان بقبرص وسوريا”.

لجنة لبنانيّة أولويّتها مصلحة قبرص 

لم تتحقق أيّ خطوة تتعلق بالترسيم مع قبرص، إلى أن أعاد الرئيس جوزاف عون تحريك الملف، قبيل زيارة الدولة التي قام بها إلى قبرص، حيث كان ملف الترسيم أبرز الملفات المطروحة. وبالفعل، بعد عودة عون، أبلغ مجلس الوزراء، في جلسته في 11/7/2025، أنه اتفق مع نظيره القبرصي على التّسريع في حلّ مسألة ترسيم الحدود بين البلدين. وأعلن عون أنه قطع شوطاً كبيراً على الصعيد التقني، ولكن يجب ترجمة النتائج على نحو رسميّ، وسيصل إلى لبنان الأسبوع المقبل وفد تقني قبرصي، لمتابعة هذا الملف تمهيداً لإنهائه. واقترح عون أن يتشكّل وفد لبنانيّ لإجراء المحادثات، برئاسة وزير الأشغال العامة وعضوية المدير العام لرئاسة الجمهورية، والمدير عام لرئاسة مجلس الوزراء، والأمين العام وزارة الخارجية، ورئيس هيئة قطاع البترول، وممثل عن قيادة الجيش، وخبير تقني. وهو ما حصل في الاجتماع نفسه.

تشكيل اللجنة طرح العديد من علامات الاستفهام أبرزها، أن اللجنة لم تضمّ أيّ خبير في الترسيم، باستثناء المحامي نجيب مسيحي الذي أعدّ دراسة تؤكّد وجوب السير باتفاقية العام 2007 وتجنّب أي تحكيم، والعميد الركن البحري مازن بصبوص الذي يؤيّد ما توصّل له مسيحي، فيما لم تتضمن أيّ اسم من الأسماء التي تدعو إلى إعادة التفاوض مع قبرص، مثل العميد المتقاعد خليل الجميل الذي أعد دراسة عن الترسيم مع قبرص، وخلص فيها، بحسابات يدوية، إلى أن حصة لبنان يفترض أن تزيد نحو 2600 كلم مربع، ورئيس مصلحة الطوبوغرافيا في الجيش العقيد عفيف غيث، الذي طبق المعايير التي اعتمدها الجميل في دراسته على البرامج التي يملكها الجيش وتبين له أن هذه المساحة يمكن أن تزيد إلى 5000 كلم مربع، أو حتى مستشار رئيس الجمهورية علي حمية الذي كان رئيس اللجنة الوزارية التي أوصت بضرورة إعادة التفاوض مع قبرص. 

دراسة تتجاهل نقاط القوة اللبنانية 

بالنتيجة، تشكلت اللجنة وعقدت أولى جلساتها في 24/7/2025، حيث قدّم مسيحي دراسته التي أعدها في العام 2022، وخلاصتها أن لبنان يجب أن يرسم حدوده مع قبرص على أساس إحداثيات العام 2007، لأن موقفه ضعيف ولن يتمكّن من تحقيق المزيد في حال لجأ للتحكيم، لسببين:

  • مبدأ Estoppel الذي يحول دون إمكانية مراجعة لبنان لموقفه من الترسيم البحري مع قبرص، انطلاقاً من أن هذا المبدأ ينص على أنّه لا يجوز لدولة أن تتراجع عن موقف أو تصرّف سابق اتخذته إذا كان هذا التصرّف قد أثّر على حقوق أو مواقف دولة أخرى. 
  • وجوب اعتماد خطّ الوسط بغض النظر عن أطوال الشواطئ، التي تصب في مصلحة قبرص، بحسب تجارب تحكيم عديدة. 

تجدر الإشارة هنا إلى أنّ مسيحي كان قد اعتبر أن كل الشاطئ القبرصي المواجه للساحل الغربي للمتوسط يجب أن يُحتسب في الترسيم مع لبنان، أي من رأس غات جنوب غرب الجزيرة إلى رأس كارباتا الواقع في شمال شرقها، والذي يبلغ طوله 250 كلم، مقابل احتساب 210 كلم طول الساحل اللبناني لتكون النتيجة 1.2 مقابل 1 لصالح قبرص. ويتجاهل مسيحي في هذه الحالة أن شمال الساحل القبرصي مواجه لسوريا وتركيا لا للبنان، مبرّراً ذلك بطريقة الاحتساب التي تعتمد على معيار الامتدادات المُتداخلة، ليخلص إلى أنّ الامتداد العمودي للساحل الشمالي القبرصي المقابل لسوريا يتداخل مع امتداد الشاطئ اللبناني ما وجب أخذه بعين الاعتبار. 

وهو حتى عندما يطرح، في دراسته، النظرية المقابلة، التي تعتبر أن الشاطئ المقابل للبنان يبدأ من رأس أكروتيري في أيانابا إلى رأس غريكو في الجنوب، بطول 108 كلم مقابل 188 كلم لصالح لبنان، بحيث تصبح النسبة 1.83 إلى 1 لصالح لبنان، يذهب إلى التقليل من أهميّة هذه النسبة، معتبراً أنها ليست كافية للحصول على حصّة إضافية، مُستشهداً بالنزاع بين أوكرانيا ورومانيا حيث كانت نسبة طول ساحلي البلدين 2.8 إلى 1 لصالح أوكرانيا، واعتبرت المحكمة أنه لا يوجد فروقات ملحوظة في طول ساحلي البلدين من شأنها أن تحتّم إدخال تعديلات على خط الوسط. 

لكن في المقابل، فإن مصدراً ملماً بالملف، ذكّر مسيحي أنه لا يمكن مقارنة الترسيم في جرف قاري واحد مع الترسيم بين جرف قاري وجزيرة. 

المصدر يعتبر أيضاً أن مبدأ “استوبال” لا ينطبق في هذه الحالة لأنه لن يقع ضرر على مصالح قبرص نتيجة التعديل، أولاً لأنه لم يتم التنقيب في البلوكات القبرصية ذات الصلة كونها متنازعاً عليها مع قبرص التركية، كما تعلم قبرص أن الاتفاق غير نافذ مع لبنان (تنص المادة الخامسة من الاتفاق أنه يصبح ساري المفعول عند تبادل الطرفين لوثائق الإبرام وهو ما لم يحصل أبداً لأن الاتفاقية لم تُبرم من جانب لبنان)، وبالتالي لا يمكنها بناء مصالحها على أساس اتفاق غير نافذ. وأكثر من ذلك قبرص نفسها هي التي أضرت بمصلحة لبنان، عندما اعتمدت في ترسيمها لحدود منطقتها الاقتصادية الخالصة مع إسرائيل على النقطة 1 بدلاً من النقطة 23 (17/12/2010). المصدر يوضح أن محكمة العدل الدولية ومحكمة قانون البحار دأبتا في سوابق عديدة، مثل قضية الصومال وكينيا أو نيكاراغوا وكولومبيا، على تغليب مبادئ الإنصاف والتناسب وظروف السواحل الخاصة على القواعد الهندسية الصرفة. وهذا ما يعزّز موقف لبنان، لا يضعفه، إذا قرر اللجوء إلى القضاء الدولي.

بين الضغط القبرصي ومعايير الإنصاف 

كلّ هذه الملاحظات لم تُسمع في اللجنة التي لم تضمّ بين أعضائها من يعارض رأي مسيحي. حتى العقيد الركن البحري مازن بصبوص أيّد دراسة مسيحي. وكذلك أبدى رئيس هيئة إدارة قطاع البترول بالإنابة غابي دعبول تخوفه من اللجوء إلى التحكيم، ما قد يؤخر تلزيم لبنان لمدة 4 سنوات لأي بلوك بحري جديد. لتكون النتيجة توافق اللجنة على السير برأي مسيحي، على ما أكد أحد أعضائها للمفكرة القانونية، أي السير باتفاق 2007 كما هو ومن دون تعديل في الإحداثيات، باستثناء تلك المتعلقة بنقاط الانطلاق، أي بدلاً من اعتماد النقطة 1 جنوباً والنقطة 6 شمالاً، تقرر اعتماد النقطة 23 والنقطة 7. وإذا كانت النقطة 23 قد أُقرت في اتفاق الترسيم مع إسرائيل، فقد بدا مستغرباً الاتفاق مع قبرص على نقطة ثلاثية مع سوريا من دون استشارة سوريا أو التفاوض معها، علماً أنّ الأولوية في هذه الحالة هي لتثبيت الحدود مع سوريا، كونهما يتقاسمان الجرف القاري نفسه، ومن ثم البحث في الترسيم مع قبرص. وعليه، أرسلت اللجنة مسودة مشروع قانون إلى هيئة التشريع والاستشارات للأخذ برأيها، كما التقتْ رئيس الجمهورية لإطلاعه على نتائج عملها.

هذا العمل الذي وصف بالتقني، لم يتبعه مفاوضات تقنية مع قبرص، بل ترافق مع ضغط قبرصي مباشر تمثل بزيارتين لمدير المخابرات القبرصي ومستشار الأمن القومي القبرصي تاسوس تويتيس، التقى خلالهما اللجنة المعنية بالترسيم. اللقاء الأول جرى في 14/7/202، وتشير مصادر مطلعة إلى أنه طلب خلالها الاستعجال في بت الترسيم على قاعدة تثبيت الاتفاق السابق، وألمح إلى أنه في حال عدم الاتفاق والذهاب إلى التحكيم، فإن قبرص ستطالب بمساحة أكبر (يُرجّح أنها كانت ستطالب بما بين 60 و90 كلم مربع نتجت عن خطأ في تنفيذ خط الوسط في النقطة 2). وقد فهم بعض الحاضرين أن ذلك تهديد مبطن، وأن التحكيم سيؤجل استثمار لبنان في أربع بلوكات (1 – 3 – 5 – 8). أما الزيارة الثانية فحصلت الأسبوع الماضي، وأخذت طابعاً فلكولورياً، حيث كان يفترض عقد جلسة تفاوض بين الطرفين.

الدكتور عصام خليفة، اكتفى في حديثه للمفكرة القانونية بالتأكيد على وجوب اعتماد معايير الإنصاف في الترسيم، انطلاقاً من أن المحاكم لم تعد تعتبر أي طريقة ترسيم إلزامية، بما في ذلك خط الوسط، وتعتبر أن الحل المنصف هو الهدف الأسمى.

والإنصاف في هذه الحالة، يعني بحسب تقرير اللجنة التي كان يترأسها حمية،  الاعتماد على آلية خط الوسط زائد الظروف الخاصة زائد التناسب في أطوال الشواطئ. أي أنه بعد تحديد الخط الوسط بين البلدين لا بد من الأخذ بالعوامل التالية:

  • التفاوت في أطوال السواحل (طول الساحل اللبناني لا يزيد عن 30% من الساحل القبرصي، إذ أن سواحل لبنان طولها 220 كلم مقابل 648 كلم لسواحل قبرص، ممّا يقتضي تعديل الخط لضمان حصّة عادلة للبنان – قضية نيكاراغوا ضد كولومبيا، 2012).
  • التفاوت لصالح لبنان في أطوال الاتجاه العام للشاطئ (188.55 كلم طول الاتجاه العام للشاطئ اللبناني مقابل 103.13 كلم طول الاتجاه العام للشاطئ القبرصي المقابل للبنان، من رأس أكروتيري إلى رأس غريكو). 
  • التفاوت الكبير بين عدد السكان في قبرص وعدد السكان في لبنان، إذ أن عدد سكان قبرص هو مليون و300 ألف نسمة، فيما عدد سكان لبنان يتخطى 5 ملايين نسمة، بينما يبلغ عدد سكان الدول المحيطة بالجزيرة نحو 500 مليون نسمة، فهل يحصل هؤلاء كلهم على الحصة نفسها التي تحصل عليها جزيرة عدد سكانها لا يصل إلى المليونين؟ بحسب طريقة خط الوسط الجواب هو نعم، لكن بحسب آلية الإنصاف الجواب هو لا، يقول خليفة.

لجنة الأشغال تتصدّى لمحاولات التخلّي عن حقوق لبنان

أحد الخبراء الذي أبدى امتعاضه من الجدل الدائر حول المسألة، قال: “يريدون في السياسة أن يفرّطوا بحقوق لبنان. هذا شأنهم، لكن الدراسات العلمية والتجارب الدولية تؤكّد أن للبنان حقاً ثابتاً في مياهه، وأي تحكيم يُفترض أن يعطيه هذا الحق”. كذلك، مصادر مطلعة أكّدت أنه لا يجوز للبنان تحت وقع الضغوط الخارجية أن يتخلى عن مساحة ضخمة من مياهه، وهو أمر أكّدت عليه أيضاً لجنة الأشغال العامة النيابية، التي اجتمعت في 18 أيلول الحالي، ودعا رئيسها إلى استدراك الخطأ الذي نشأ عن ترسيم العام 2007 والتي خسر لبنان بفعله حوالي 2600 كيلومتر يعتقد أنها تحتوي ثروات من الغاز الطبيعي. لكن لما كان أعضاء اللجنة قد سمعوا آراءً متضاربة، فقد تقرر الاستعانة برئيس المحكمة الدولية في موضوع النفط، مؤكداً أن اللجنة ستتابع الموضوع وتصدر توصيتها، قبل أن تلتزم الحكومة وتوقّع مع قبرص أي اتفاق جديد.

من جهته، أوضح النائب جميل السيد حقيقة ما جرى في الجلسة وحقيقة التعامل مع الملف، فتحدث عن التناقض في ما قيل بين فريق لبناني يمثل الدولة وظهر كأنه مدافع عن حقوق قبرص، وفريق لبناني مستقلّ يرى أن لبنان سيكون مغبُوناً في حقوقه البرية مع قبرص. وسأل متى ستتوقف دولتنا عن الارتجال والمراهقة وبيع المواقف لهذه الدولة أو تلك على حساب خيرات البلد؟

تدرك الحكومة كلّ ما سبق، وتدرك أنّ التوقيع لتثبيت نقاط الحدود المحددة في اتفاقية العام 2007 هو تفريط واضح بحقوق لبنان ليس القانونية فحسب، بل الاقتصادية أيضاً، حيث سيخسر حقه في استثمار البلوكات 1 و3 و5 و8.

هيئة وطنية للترسيم؟

وانطلاقاً من كل ما تقدم يقترح مصدر متابع تأسيس هيئة وطنية مستقلة تُعنى بملف الترسيم، تضم أعضاء مستقلين من الجيش، وخبراء في القانون الدولي، الجغرافيا، والاقتصاد، وتكون بمنأى عن التجاذبات السياسية. كما ينبغي إشراك المجتمع المدني، والجامعات، والاختصاصيين في هذا النقاش، كي لا يبقى مصير ثروات لبنان البحرية غير مبنيّ على أسس علميّة ومصلحيّة، بل مرهوناً بمواقف ارتجالية أو خضوعاً لضغوط دولية، تسعى إلى فرض أمر واقع بحري يتناسب مع أجندات خارجية. فهل، يضع رئيس الجمهورية حدًّا للارتجال في الملفّ ويوقف المسار الذي يقود إلى التفريط بحقوق لبنان؟