منح أميريّة للقضاة وأساتذة الجامعة والعسكر: ترقيع أم تسهيل لمواصلة هضم الحقوق؟
27/06/2025
على جدول أعمال جلسة الهيئة العامة للمجلس النيابي المزمع عقدها في 30/6/2025، 3 مشاريع قوانين ترمي إلى فتح اعتمادات في موازنة 2025، بهدف منح القضاة وأساتذة الجامعة اللبنانية والعسكريين في الخدمة الفعلية والمتقاعدين مساعدات اجتماعية. وتبلغ قيمة هذه الاعتمادات حوالي 19 ألف مليار ليرة لبنانية، أي حوالي 210 ملايين دولار، وهو ما يقارب أضافة حوالي 5% على مجموع النفقات المقدّرة في موازنة العام 2025، وتتوزّع هذه المشاريع على الشكل التالي:
- المشروع الأول، يتعلّق بفتح اعتماد بقيمة 1500 مليار (حوالي 17 مليون دولار) لمنح مساهمة لصندوق تعاضد القضاة، وقد خُفّض هذا الرقم من 2010 مليارات مقترحة من قبل الحكومة، بعد سجال طويل على مدى جلستيْن انعقدتا في 24 و25 حزيران 2025 بين أعضاء لجنة المال والموازنة حول توفر الاعتمادات وتأثير هذه المنحة على الخزينة العامة.
- أمّا المشروع الثاني، فيتعلّق بفتح اعتماد بقيمة 1320 مليار ليرة لبنانية (حوالي 15 مليون دولار) لإعطاء مساهمة لصندوق تعاضد أفراد الهيئة التعليمية في الجامعة اللبنانية لتغطية المساعدات الاجتماعية والصحية، وقد أقرّ هذا المشروع في نفس جلسة لجنة المال والموازنة التي أقرّ فيها المشروع المتعلّق بالمساهمة الممنوحة لصندوق تعاضد القضاة ومن خارج جدول أعمالها.
- المشروع الثالث والأكبر، يتعلّق بفتح اعتماد بقيمة 15,900 مليار ليرة (حوالي 178 مليون دولار)، وذلك لإعطاء منحة مالية شهرية للعسكريين العاملين في الخدمة الفعلية بقية 14 مليون ليرة لبنانية وللمتقاعدين منهم بقيمة 12 مليون ليرة لبنانية تسري اعتباراً من 1/7/2025، وقد نوقش المشروع في جلسة اللجان المشتركة في 23/6/2025 وأوصي بالإقرار كما هو.
وعليه، نبدي الملاحظات التالية:
ضمادات ترقيعية لجرحٍ عميق
عدا عن أن المشاريع الثلاثة تنص على منح لثلاث فئات من الموظفين العامين دون سواهم، فإنها تقتصر على مساهمات ومنح لا ترتب أي حقوق مكتسبة ولا تترافق مع أيّ تعديل لسلسلة رتب ورواتب هؤلاء التي تبقى دون الحدّ الأدنى للأجور. وهي علاوة على ذلك لا تأتي ضمن أي استراتيجية أو خطة مرحلية.
ومن هذه الزوايا كافة، جاز اعتبار المشاريع الثلاثة بمثابة ضمادات ترقيعية توضع على جرح عميق في بنية الوظيفة العامة، بمعنى أنها لا تقدّم أي معالجة حقيقية للفجوات التي يعاني منها القطاع العامّ سواء على صعيد هيكليته أو على صعيد رواتب العاملين فيه، وإن كان من شأنها أن تسهم.
تحويل القضاة والأساتذة والعسكر إلى زبائن لدى السلطة السياسية
إذ تمنح مشاريع القوانين مساهمات تميّز الفئات الثلاث عن سائر موظفي الدولة، فإن هذه المساهمات تبقى هشة وتبقى عرضة للتخفيض أو أقله عدم التجديد عند استنفاد قيم الاعتمادات الجديدة المفتوحة.
فضلا عن ذلك، فإن هذه المنح ليست شخصية إنما هي تستهدف في حالتي القضاة والأساتذة الجامعيين، صناديق التعاضد، مما يمنح مجالس إدارة هذه الصناديق هامشا واسعا في تخصيص المساهمات الممنوحة، وضمنا إمكانية تخصيص منح تمييزية لبعض القضاة أو لبعض الأساتذة الجامعيين دون سواهم. وما يعزّز هذه المخاوف هو ضعف شفافيّة هذه الصّناديق والرقابة عليها.
وعلى الرغم من الأثر السلبي لهشاشة هذه الحقوق على استقلاليّة القضاة أو استقلاليّة الأساتذة الجامعيين، فإنّ هذيْن المشروعيْن لا يلقيان أيّ اعتراض من داخل هذين الجسمين، مما يعبر عن درجة التطبيع مع الواقع القائم واليأس لديهما من إمكانية إنجاز أي إصلاح في هذا الشأن. من هذه الزاوية، تبدو المنح والمساهمات بمثابة جرعة مورفين لتهدئة هذين الجسمين تمهيدا لمواصلة هضم حقوق العاملين فيهما.
شرذمة الموظّفين العامّين
فضلا عن ذلك، من المتوقّع أن تُثير حصر هذه المنح التمييزية بفئات معيّنة حفيظة فئات أخرى، ممّا يؤدّي إلى ارتقاب اعتراضات من الفئات غير المستفيدة ومُطالبات بمنح متوازية، وصولًا إلى احتمال إعلان سلسلة جديدة من الإضرابات والاعتكافات.
موارد المساهمات والمنح؟
كان يُفترض أن يموّل الجزء الأكبر من هذه المنح (أقله منح العسكريين) من الضريبة على المحروقات التي قرّرتها الحكومة في 29 أيّار 2025. فلقد قرّر مجلس الوزراء تثبيت أسعار المحروقات السّائلة على القيم السارية بتاريخ تشكيل الحكومة في 8 شباط 2025. وفيما هدف هذا القرار إلى تمكين الخزينة من تحصيل الفارق الناتج عن انخفاض أسعار النفط عالميًا، فإنّ ارتفاع أسعار النفط بفعل الحرب الإسرائيلية الإيرانية، أعاد خلط الأوراق وأفقد الخزينة إمكانية تحقيق الوفر المنشود. وعليه، وفيما كانت التقديرات تشير إلى جمع حوالي 250 مليون دولار من الإيرادات من هذه الضريبة على مدى الأشهر الستة المقبلة، بين حزيران وكانون الأول 2025، فإنّه يرتقب أن تتراجع بنتيجة ذلك.