إصدار موازنة 2025 بمرسوم: أسئلة حول قطع الحساب والمرجع القضائي المختصّ
08/03/2025
في حدثٍ نادرٍ جدّا في تاريخ لبنان الدستوري، أقرّ مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة في 6 آذار 2025 الموازنة العامة لسنة 2025 على أن يصدرها رئيس الجمهورية بمرسوم عملا بالمادة 86 من الدستور التي تنصّ على حقّ السلطة التنفيذية بإصدار الموازنة بمرسوم من دون موافقة مجلس النوّاب في حال لم يتمكّن هذا الأخير من إقرارها طيلة العقد المخصّص لدرسها (من تشرين الأول إلى نهاية السنة) وفي العقد الاستثنائي الذي يستمرّ حتّى نهاية كانون الثاني من السنة الجديدة، والذي يتمّ تخصيصه للانتهاء من دراسة وإقرار الموازنة.
وتضيف المادة 86 بأنه لا يمكن إصدار مرسوم اعتبار الموازنة نافذة إلا إذا كانت الحكومة قد أحالت مشروع الموازنة إلى مجلس النّواب قبل افتتاح عقد تشرين الأول بخمسة عشر يوما على الأقل، وذلك من أجل إعطاء النوّاب فترة كافية لدراسة أرقام الموازنة. وهذا ما حصل بالفعل إذ قامت الحكومة السابقة للمرة الثانية على التوالي باحترام المهل الدستوريّة كونها أحالت موازنة العام 2025 إلى مجلس النواب بموجب المرسوم رقم 14076 بتاريخ 4 تشرين الأول 2024 علما أن الأمانة العامة للمجلس استلمت المشروع بتاريخ 7 تشرين الأول 2024.
ولا بد من التذكير أنّ السلطة التنفيذيّة تمكّنت من استخدام هذه الصلاحية مرّتين منذ إقرار الدستور اللبناني سنة 1926: الأولى عندما أصدر الرئيس كميل شمعون موازنة سنة 1958 بموجب المرسوم رقم 18551 تاريخ 4 شباط 1958، والثانية عندما أصدر الرئيس سليمان فرنجية موازنة 1976 بالمرسوم رقم 10880 بتاريخ 2 شباط 1976.
وهكذا يتبين أن حكومة الرئيس نواف سلام أعادت تفعيل صلاحية دستورية بالغة الأهمية لم يتم استخدامها منذ خمسين عاما على الرغم من التأخر الكبير في إقرار العديد من الموازنات لا سيما في السنوات الأخيرة. ولا شكّ أن عدم استخدام الحكومة للمادة 86 من الدستور مردّه فشل هذه الأخيرة في كثير من الأحيان باحترام الشروط الدستورية. إذ كانت تحيل مشروع الموازنة خارج المهلة المحددة في المادة 86 من الدستور، الأمر الذي يحرمها من حقّ إصدار الموازنة بمرسوم.
وقد تزامن هذا الحدث الدستوري النّادر مع تطوّر بارز آخر، بحيث أعلنت النائبة بولا يعقوبيان عن توجه للطعن بمرسوم إصدار الموازنة أمام المجلس الدستوري انطلاقا من المادة 18 من قانون انشاء المجلس الدستوري الصادر سنة 1993 والتي نصّت على منح المجلس الدستوريّ صلاحية النظر في دستورية القوانين "وسائر النصوص التي لها قوة القانون"، الأمر الذي يشكل سابقةً لم تحدث من قبل منذ استحداث المجلس الدستوري أي الطعن بمرسوم أمام هذا الأخير ما يوجب أيضا مناقشة هذه النقطة الحساسة بهدف فهم تداعياتها.
لذلك، وبغضّ النظر عن مضمون موازنة 2025 والاعتراضات التي رافقتها لا سيّما أنها أقرت بطريقة متسرعة خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان، لا بدّ من إبداء بعض الملاحظات الدستوريّة أولا حول قرار مجلس الوزراء القاضي بالموافقة على إصدار الموازنة العامة بمرسوم ومن ثم مناقشة مدى جواز تقديم مراجعة طعنا بهذا المرسوم أمام المجلس الدستوري.
إشكاليات دستورية في إصدار موازنة 2025 بمرسوم من ناحية الشكل
أولا: مسألة الدعوة إلى العقد استثنائي في كانون الثاني
تفرض المادة 86 من الدستور على رئيس الجمهورية دعوة مجلس النواب إلى عقد استثنائي طيلة شهر كانون الثاني في حال لم يتمكن مجلس النواب من إقرار الموازنة قبل نهاية العقد العادي أي قبل نهاية كانون الأول من كل عام. وهذا بالفعل ما حدث عندما طبقت الحكومة المادة 86 في المرتين السابقتين. إذ قام الرئيس كميل شمعون بدعوة مجلس النواب إلى عقد استثنائي في شهر كانون الثاني من سنة 1958 بموجب المرسوم رقم 18200 الصادر بتاريخ 31 كانون الأول 1957 وذلك من أجل درس موازنة 1958. وقد تكرر الأمر في المرة الثانية التي جرى فيها إصدار الموازنة بمرسوم إذ قام الرئيس سليمان فرنجية بدعوة مجلس النواب إلى عقد استثنائي في كانون الثاني من سنة 1976 بموجب المرسوم رقم 10819 الصادر بتاريخ 30 كانون الأول 1975 بغية درس واقرار موازنة 1976.
لكن من الملاحظ أن هكذا مرسوم لم يصدر اليوم كون مجلس النّواب كان في عقد استثنائيّ حكميّ مفتوح منذ اعتبار الحكومة مستقيلة، الأمر الذي يُعيد تسليط الضوء على مسألة جواز التشريع في ظلّ هذا العقد الحكميّ أو في ظل شغور رئاسة الجمهورية. ففي حال كان التشريع غير جائز وفقا لما قال به بعض النواب والقوى السياسية، فإنّ ذلك يعني حكمًا أن المادة 86 لم تعدْ صالحة للتطبيق إذ لا يمكن محاسبة مجلس النواب على تقصيره في حال لم يكن بمقدوره الاجتماع من أجل ممارسة صلاحياته التشريعية لإقرار الموازنة.
لكن مجلس النواب وبإصرار من رئيسه عمد إلى التأكيد مرارًا على جواز التشريع في ظلّ وجود حكومة مستقيلة وفي ظل الفراغ في رئاسة الجمهورية، ما يعني أن المجلس ألزم نفسه بإمكانية التشريع خلال العقد الاستثنائي الحكمي من تلقاء نفسه أي من دون الحاجة إلى دعوته إلى عقد استثنائي بمرسوم. وقد أكد المجلس الدستوري في أكثر من قرار له على جواز التشريع في ظل الشغور في رئاسة الجمهورية أو خلال وجود حكومة مستقيلة ما يعني أن صدور مرسوم بدعوة مجلس النواب إلى عقد استثنائي طيلة شهر كانون الثاني كما تفرضه المادة 86 كي يتمكن من استكمال إقرار الموازنة لم يعد ضروريا كون المجلس يعتبر متمتعا بكامل صلاحياته الدستورية خلال العقد الاستثنائي الحكمي المفتوح منذ اعتبار حكومة نجيب ميقاتي مستقيلة في نهاية أيار من سنة 2022 عقب الانتخابات النيابية.
ثانيا: نشر الموازنة من دون قطع حساب.
تمنع المادة 87 من الدستور إصدار الموازنة قبل موافقة مجلس النواب على قانون قطع حساب السنة الماضية ما يعني أن موازنة عام 2025 لا يمكن إصدارها إلا بعد إصدار قانون قطع حساب سنة 2023. ويعتبر هذا المبدأ من بديهيات النظام البرلماني إذ لا يعقل منح مجلس النواب الحقّ في مراقبة عمل الحكومة ومن ثم حرمانه من التدقيق في كيفيّة تنفيذ الموازنة التي أقرّها هو أيضا من أجل السماح للسلطة التنفيذية بالإنفاق وجباية الضرائب.
وقد اعتبر المجلس الدستوري في أكثر من قرار له أن غياب قطع الحساب "يؤدي إلى غياب الشفافية في جباية المال العام وإنفاقه وبالتالي إلى التشكيك في صدقية الموازنة العامة وتنفيذها، كما يؤدي إلى فتح الباب واسعا أمام تفشي الفساد" (قرار رقم 2 تاريخ 14/5/2018)، لذلك يجب من الناحية الدستورية أن يتزامن إصدار الموازنة مع إصدار قانون قطع الحساب كي يكتمل الانتظام المالي لمؤسسات الدولة.
وقد تم خرق هذه المادة مرارا إذ لم يقم مجلس النواب باقرار موازنة سنوية منذ 2006 وحتى 2017، وعندما تمّ إقرار موازنات سنوية بشكل متأخر اعتبارا من 2017 جرى ذلك من دون التصويت على قانون قطع الحساب، ما يعتبر خرقا فاضحا للدستور. لكن المجلس الدستوري في لبنان في أكثر من قرار له وعلى الرغم من أنه اعتبر أن غياب قطع الحساب يشكل مخالفة للدستور لكنه رفض إبطال قانون الموازنة بحجة وجود حالة شاذّة تفرض القبول بهذه المخالفة حفاظًا على مصالح الدولة.
لكن هذا المنطق الدستوريّ السليم يصطدم باعتبارات أخرى تجعلُنا لا نقطع بعدم دستورية نشر الموازنة بمرسوم في ظل غياب قطع للحساب. فالمادة 86 من الدستور التي تمنح رئيس الجمهورية بعد موافقة مجلس الوزراء هذه الصلاحية الاستثنائية لا تشير إلى قانون قطع الحساب بل تتكلم فقط عن الموازنة العامة، ما يعني أن الدستور نفسه في هذه المادة فصل بين قطع الحساب والموازنة العامة إذ هو سمح بإصدار الموازنة بمرسوم من دون معالجة مسألة وجود أو غياب قطع للحساب. فالمادة 86 تمنح الحكومة صلاحيات استثنائية وخارقة تشذ عن المسار الدستوري الطبيعي الذي يرعى اقرار الموازنة وبالتالي يمكن القبول بنشر الموازنة من دون أن يتزامن ذلك مع إقرار قطع للحساب.
وفي الاتجاه نفسه أن الدستور من الناحية الشكلية يفرض التعاقب بين قانون قطع الحساب وقانون الموازنة العامة، أي أن موجب إقرار قانون قطع الحساب يقع على عاتق مجلس النواب قبل إصدار الموازنة التي يكون قد أقرها أيضا مجلس النواب. وبالتالي إن التعاقب مفروض بين قانونين في المادة 87 بينما المادة 86 تتكلم عن مرسوم إصدار الموازنة وليس عن قانون.
وإذا كان من المستغرب مطالبة مجلس النواب باقرار الموازنة من دون تمكينه من مراقبة تنفيذ الموازنات السابقة عبر إحالة مشروع قانون قطع الحساب (علما أن المجلس وافق على هذا الأمر عندما أقر موازانات من دون قطع الحساب)، لكن ذلك لا يعفي إطلاقا الحكومة من إحالة مشروع قانون قطع الحساب حتى لو تمكنت من إصدار الموازنة بمرسوم. فعندما تم إصدار موازنة 1958 بمرسوم في 4 شباط 1958 كان مجلس النواب سبق له وان أقر قطع حساب سنة 1956 في جلسة عقدها بتاريخ 21 كانون الثاني [1]1958. لكن هذا الأمر لم يتكرّر لاحقا إذ أن مرسوم إصدار موازنة 1976 لم يسبقه إقرار قانون قطع حساب سنة 1974 الذي لم يصدر إلا في 2 أيار أي بعد سنتين تقريبا من موعده الدستوري.
ففي حال تمّ التسليم بإقرار نشر الموازنة بمرسوم انطلاقا من الصلاحية الاستثنائية المنصوص عليها في المادة 86 من دون أن يتزامن ذلك مع إقرار قانون قطع الحساب، لكن ذلك لا يعفي إطلاقا الحكومة من واجبها المتمثّل بإحالة قطع الحساب في أسرع وقت ممكن، لا بل هي مطالبة بإحالة مشاريع قطع الحساب عن جميع السنوات المنصرمة التي شهدت إقرار موازنات من دون قطع للحساب.
ثانيا: تساؤلات كبيرة حول جواز الطعن بمرسوم إصدار الموازنة أمام المجلس الدستوري
لا شكّ أن أبرز تطوّر في هذا الصدد كان الإعلان عن وجود توجّه للطعن بمرسوم نشر الموازنة أمام المجلس الدستوري. فالمراسيم أعمالٌ إداريّة تُصدرها السلطة التنفيذيّة وهي خاضعة في لبنان كما في الدول التي تتبع النظام القانونيّ الفرنسيّ لرقابة القضاء الإداريّ المتمثل في مجلس شورى الدولة. فالطعن بالمرسوم أمام المجلس الدستوري، في حال اعتبر هذا الأخير نفسه مختصّا للنظر به، يطرح تساؤلات كبرى حول تعدّد طرق الطعن أمام مرجعيات مختلفة في العمل نفسه، ما قد يخلق حالة من عدم الاستقرار القانوني.
ومردّ هذا الالتباس المادة 18 من قانون إنشاء المجلس الدستوريّ التي نصّت وبشكل غير مألوف ليس فقط على صلاحية المجلس الدستوري بمراقبة دستوريّة القوانين لكن أيضا مراقبة سائر النصوص التي لها قوة القانون. وقد كرر هذا النص المادة الأولى من القانون عينه التي نصت على التالي: "تنفيذا لاحكام المادة 19 من الدستور، ينشأ مجلس يسمى "المجلس الدستوري" مهمته مراقبة دستورية القوانين وسائر النصوص التي لها قوة القانون والبت فى النزاعات والطعون الناشئة عن الانتخابات الرئاسية والنيابية".
لا بل أن الفقرة الثانية من المادة 18 تضيف التالي: "خلافا لأي نص مغاير، لا يجوز لأي مرجع قضائي أن يقوم بهذه الرقابة مباشرة عن طريق الطعن أو بصورة غير مباشرة عن طريق الدفع بمخالفة الدستور أو مخالفة مبدأ تسلسل القواعد والنصوص". فإذا كان منع أي مرجع قضائي من النظر في دستورية القوانين هو أمر شائع في النظم القانونية التي تقوم على مركزية وحصرية البت في دستورية القوانين إذ يتم منح هذه الصلاحية إلى جهة وحيدة، لكن تطبيق هذا النص في حال شموله "لسائر النصوص التي لها قوة القانون" سيعني منع سائر السلطات القضائية من النظر في دستورية هذه النصوص على رأسها مجلس شورى الدولة الذي سيفقد اختصاصه في هذا المجال.
والأغرب من ذلك أن النظام الداخلي للمجلس الدستوري الصادر بموجب القانون رقم 243 في 7 آب 2000 جاء خاليا من هذا التمييز بين القوانين والنصوص التي لديه قوة القانون. فالمادة الأولى منه أعلنت التالي: "المجلس الدستوري هيئة دستورية مستقلة ذات صفة قضائية تتولى مراقبة دستورية القوانين. والبت في النزاعات والطعون الناشئة عن الانتخابات الرئاسية والنيابية". فكما هو واضح يقتصر النص على القوانين العادية وهذا ما يتأكد في سائر مواد القانون التي تنظم أصول الطعن أمام المجلس الدستوري فتعلن مثلا إن الطعن يجب أن يتم تقديمه خلال خمسة عشر يوما "تلي نشر القانون في الجريدة الرسمية" (المادة 31) أو أن المراجع المحددة حصرا في المادة 19 من الدستور هي التي يحق لها الطعن "بعدم دستورية القوانين" (المادة 30). وهكذا تغيب الإشارة كليا عن "النصوص التي لها قوة القانون" الواردة في قانون إنشاء المجلس الدستوري.
لا بل يمكن القول أن المادة 18 معطوفة على المادة الأولى من قانون إنشاء المجلس الدستوري تخالف المادة 19 من الدستور التي تنص فقط على أن المجلس الدستوري يتولّى الرقابة على دستورية القوانين من دون الإشارة إلى النصوص التي لها قوة القانون. فالمجلس الدستوري هو جهة منحها الدّستور اختصاصات محدّدة وحصريّة (compétences d'attribution) وهو لا يملك تفويضًا عامًّا إذ لا يمكن منح المجلس صلاحيات جديدة إلا عبر نصّ دستوريّ.
فقد أعلن المجلس الدستوري الفرنسي[2] مثلا أنه غير مختصّ للنظر في دستوريّة القوانين التي يتمّ إقرارها عبر الاستفتاء الشعبيّ على الرغم من أنها تتمتع بقوة القانون مثل القوانين العادية التي يقرها البرلمان الذي يحق له أن يعدلها لاحقا مثل سائر القوانين الأخرى. لا بل أن المجلس الدستوري الفرنسي أعلن أن صلاحياته هي محددة بشكل حصري في النصوص الدستورية وأنه لا يعود له مراقبة غير النصوص التي يتم ذكرها حرفيا في تلك النصوص.
أمام هذا الواقع والنص الغريب للمادة 18 من قانون إنشاء المجلس الدستوري لا بدّ من تحديد أولا ما هي النصوص التي لها قوة القانون في لبنان كي نتمكن من دراسة تداعيات الطعن بها أمام المجلس الدستوري.
إن النصوص التي لديها قوة القانون في لبنان أي تلك التي يكون مضمونها يحتوي على مادة تشريعية كان من المفترض أن تصدر بقانون عادي هي التالي:
- المراسيم الاشتراعية عندما يقوم مجلس النواب بالتصويت على قانون يجيز فيه لمجلس الوزراء إقرار مراسيم تدخل ضمن الحقل التشريعي. بتعبير آخر يقوم مجلس النواب بتفويض صلاحياته التشريعية في مواضيع محددة وضمن فترة زمنية محدودة إلى السلطة التنفيذية.
- القانون الموضوع موضع التنفيذ بموجب المادة 58 من الدستور: تمنح المادة 58 من الدستور رئيس الجمهورية بعد موافقة مجلس الوزراء إصدار مرسوم يجعل بموجبه كل مشروع قانون معجل لم يبت به مجلس النواب خلال أربعين يوما نافذا من دون الحاجة إلى إقراره في مجلس النواب.
- المادة 86 من الدستور حول نشر الموازنة بمرسوم وهي موضوع بحثنا هذا.
وقد اعتبر مجلس شورى الدولة في اجتهاد مستقر مثل نظيره الفرنسي أن المرسوم الاشتراعي "يبقى عملا إداريا طالما لم يقترن بعد بمصادقة مجلس النواب بشكل صريح أو ضمني" (قرار رقم 14 تاريخ 18 تشرين الثاني 1993)، ما يعني أنه يقبل الطعن أمام القضاء الإداري.
والأمر نفسه ينسحب على المراسيم المتخذة وفقا للمادة 58 من الدستور. فبعد فترة من القلق عاد مجلس شورى الدولة إلى حسم موقفه بهذا الخصوص فاعتبر في قرار شهير له التالي: "وبما أن المراسيم التي تصدرها الحكومة بموجب صلاحياتها الاستثنائية المقررة بالمادة 58 المذكورة تجعل مشاريع القوانين المحالة على المجلس بمقتضاها نافذة بدون اقرارها منه، فهي أعمال صادرة برمتها عن السلطة التنفيذية، وتمارس الحكومة فيها سلطة ذاتية اختيارية، وبما أنها بهذه الصفة لا تدخل في نطاق الأعمال التشريعية، اذ ان هذا النطاق يشتمل على كل عمل يصدر عن النواب بينما المراسيم المذكورة هي كما تقدم أعمال ادارية محضة صادرة عن الحكومة فتكون لذلك قابلة الطعن بسبب تجاوز حد السلطة" (قرار رقم 8 تاريخ 9 كانون الأول 1970).
فالمعيار المتبع لتحديد القانون في الدولة الحديثة هو معيار شكليّ بحت ما يعني أن القانون هو النصّ الذي يقرّه مجلس النواب ويصدره رئيس الجمهورية وفقا للدستور وكل نصّ آخر مهما كان مضمونه في حال لم يقرّه مجلس النواب لا يمكن إطلاقا وصفه بالقانون. فالمضمون التشريعي للمراسيم التشريعية أو للمراسيم المتخذة وفقا للمادة 58 لا يغير في شيء طبيعتها الإدارية كونها صدرت بالكامل عن السلطة التنفيذية. وهذا هو التعريف الذي يتبنّاه الدستور اللبناني في المادة 18 منه عندما يعلن التالي: "لا ينشـر قانون ما لم يقرّه مجلس النواب" أي أنّ تعريف القانون هو شكليّ فقط يتعلّق بالسّلطة التي أقرّت العمل من دون النظر في مضمون العمل ومادته.
وقد علّق حينها العميد "أوبي" على الإشكاليّة التي تطرحها المادة 58 من الدستور في ضوء قرارات مجلس الشورى معتبرًا أن الحلّ المتّبع في لبنان هو ذاته في فرنسا حيث التعريف الشكليّ هو المعيار الوحيد المتّبع لتحديد الطبيعة القانونية للنصّ[3].
فالقانون كما يفهمه الدستور هو فقط وحصرا النص الذي يقره مجلس النواب وفقا للتعريف الشكلي وعندما تنص المادة 19 من الدستور على منح المجلس الدستوري صلاحية النظر في دستورية القوانين فهي لا يمكن أن تعني إلا القانون وفقا لتعريفه الشكلي. والمنطق ذاته ينطبق على المادة 86 من الدستور ما يعني أن مرسوم إصدار الموازنة صحيح أنه يحتوي من حيث المضمون مادة تشريعية لكنه من ناحية الشكل لا يمكن أن يعتبر إطلاقا قانونا ما يخرجه من رقابة المجلس الدستوري المنصوص عليها في المادة 19 من الدستور.
وقد أعلن المجلس الدستوريّ الفرنسيّ أيضا في معرض ممارسته صلاحياته كقاضٍ دستوريّ أن رقابته تتعلق بالقوانين ولا تشمل المراسيم الاشتراعية[4] ولا النظر في دستورية المراسيم العادية[5].
ولا شك أن عدم صلاحية المجلس الدستوري الفرنسي للنظر في المراسيم الاشتراعية لا يضعف من رقابته كون الحكومة ستعمد إلى الطلب من البرلمان بعد نهاية التفويض التصديق عليها، الأمر الذي يتمّ بقانون عادي يمكن الطعن به أمام المجلس الدستوريّ. وقد استقرّ اجتهاد هذا الأخير على أن الطعن بقانون التصديق يسمح له بالنظر في مضمون المرسوم الاشتراعي الذي جرى تصديقه ما يعني أنه يحقّ له إخضاعه لرقابته الدستورية كونه بات قانونًا من الناحية الشكلية[6]. وعلى الرغم من أن المجلس الدستوري في لبنان لم يتمكن من دراسة هذه المسألة كون مجلس النواب لأسباب سياسية لم يعد يمنح الحكومة صلاحية تشريعية، لكن لا شيء يمنع المجلس الدستوري من تبني موقف نظيره الفرنسي إذ بمجرد الطعن بقانون تصديق مرسوم اشتراعي ما يمكن للمجلس أن يراقب دستوريته.
وعلى الرغم من غياب المراسيم الاشتراعية، لكن منح الحكومة حقّ التشريع استمرّ حتى اليوم في مجال واحد فقط وهو الحقل الجمركي إذ صدرت عدة قوانين بعد 1990 تخول الحكومة التشريع في الحقل الجمركي. وقد استخدمت الحكومات المتعاقبة هذه الصلاحية مرّات عديدة علما أنها اختارت ممارستها بموجب نصوص أطلقت عليها صفة "مراسيم" فقط علما أنها في الحقيقة مراسيم اشتراعية. فهل يجوز الطعن بتلك المراسيم التي تعدل التعريفات الجمركية أمام المجلس الدستوري؟ وهل ذلك يعني أن مجلس شورى الدولة بوصفه القاضي الإداري الطبيعي في لبنان لم يعد مختصا للنظر بتلك المراسيم؟ أسئلة يطرحها النص المستغرب للمادة 18 من قانون إنشاء المجلس الدستوري.
ومن التداعيات الخطيرة لحصرالنظر بالنصوص التي لها "قوة القانون" بالمجلس الدستوري هو حرمان المواطنين الذين يملكون مصلحة للطعن بها من ممارسة هذا الحق. فالطعن أمام مجلس شورى الدولة متاح لجميع الأفراد الذين يملكون صفة ومصلحة من أجل إبطال الأعمال الإدارية التي تتجاوز حد السلطة، وهو بات من الحقوق الأساسية في دولة القانون. لكن في حال أعلن المجلس الدستوري اختصاصه للنظر في مرسوم نشر الموازنة واستطرادا سائر النصوص التي لها قوة القانون فإن هذا يعني أن الجهات التي يحق لها الطعن هي تلك المحددة حصرا في المادة 19 من الدستور أي رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء وعشرة نواب ورؤساء الطوائف الدينية المعترف بها بخصوص فقط القوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية وحرية المعتقد. وهكذا يكون المجلس الدستوري قد وسع من صلاحياته لكنه منع المتقاضين في الآن عينه من اللجوء إلى القضاء الإداري للطعن بكل هذه النصوص مهددا بذلك الضمانات القضائية التي يتمتع بها المواطن العادي مرغما إياه على طلب ذلك من السلطات السياسية كي تطعن بالنص المشكو منه أمام المجلس الدستوري.
وقد ناقش مجلس النواب في جلسة إقرار قانون إنشاء المجلس الدستوري بتاريخ 24 حزيران 1993 هذه الإشكالية بعجالة من دون التركيز عليها. فقد طرح النائب حبيب صادق سؤالا حول لماذا لم يمنح المجلس الدستوري صلاحيات إبداء رأيه بالقانون قبل "أن يأخذ شكله النهائي" فما كان من رئيس مجلس النواب إلا وأن رد عليه قائلا: "لسبب بسيط هو أن هذا يتطلب تعديلا دستوريا. لأن الدستور لا ينص على ذلك".
وبغض النظر عن أبعاد هذه النقطة لكن إذا كان منح المجلس الدستوري صلاحية النظر في القانون قبل إقراره النهائي يحتاج إلى تعديل دستوري، أليس من الأولى أن يكون منحه صلاحية النظر في النصوص التي لها قوة القانون يحتاج أيضا إلى تعديل دستوري؟
وفي الجلسة نفسها، تنبّه النائب محمد يوسف بيضون إلى إشكالية تضارب الصلاحيات بين المجلس الدستوري ومجلس شورى الدولة فقال: " أريد أن أتكلّم يا دولة الرئيس، عن النصوص التي لها قوة القانون في المراسيم الاشتراعية. هناك طريقان للطعن: خلال مدة الطعن أو عن طريق الدفع بعد انقضاء مهلة الطعن. فإذا منعنا أيّ مرجع قضائي، أي مجلس شورى الدولة، أن ينظر في دستورية أي قانون، يكون المتقاضي قد أثار موضوع الدفع، مما يؤدي إلى ضرر كبير. يجب أن نحافظ على حق مجلس الشورى بأن يبدي رأيه في مخالفة ما، إذا كان المتقاضي تقدم للطعن عن طريق الدفع بنص في مرسوم اشتراعي".
وقد تكلم النائب جوزيف مغيزل معقبا فقال: "المراسيم الاشتراعية هي نصوص إدارية وفي مدة الشهرين، يمكن الطعن بها أمام مجلس الشورى. (...). من الأصول أن تعرض المراسيم الاشتراعية على المجلس النيابي فيعلن موافقته عليها فتنتفي نهائيا وسائل الطعن إن كانت فردية أو بالدفع كما قال الزميل. وهذا ما يجب أن نصر عليه بالنسبة لكل المراسيم الاشتراعية".
فالتصديق على المرسوم الاشتراعي يجعل منه محصنا من الطعن أمام مجلس شورى الدولة لكنه يجعله عرضة للطعن أمام المجلس الدستوري كما ذكرنا أعلاه في حال الطعن بقانون التصديق. أي أن المواطن محمي قبل التصديق على المرسوم الاشتراعي وعند التصديق على هذا الأخير يدخل في حكم القوانين العادية التي يمكن الطعن بها أمام المجلس الدستوري. فما هي الحكمة من منح المجلس الدستوري صلاحية مراقبة دستورية النصوص التي لديها قوة القانون كالمرسوم الاشتراعي ومنحه أيضا صلاحية النظر في المرسوم الاشتراعي ذاته عند التصديق عليه بقانون عادي، أي أن جهة واحدة قد تدرس النص ذاته مرتين بينما يمنع القضاء الإداري من ممارسة رقابته التي كرسها في اجتهادات كثيرة عبر سنوات طويلة؟
لكن أخطار المادة 18 لا تقف عند هذا الحدّ. فالنظام القانوني اللبناني يعترف بوجود نصوص "لها قوة القانون" غير تلك التي قمنا بتعدادها أعلاه وهي كل النصوص التي تدخل من ضمن صلاحيات السلطات الطائفية والأحوال الشخصية التابعة لها والقرارات التي تصدرها السلطات الطائفيّة الإسلاميّة التي حصلت على تفويض تشريعي يسمح لها بتعديل القوانين التي أقرّها مجلس النواب والمتعلقة بها. وإذا كانت دراسة هذه القضية بكل تشعباتها تخرج عن هدف هذا المقال لكن اعتبار مثلا أن المجلس الدستوري مختص للنظر في قرارات المجلس الاسلامي الشرعي الأعلى التي يتخذها عملا بالتفويض التشريعي الذي منحه اياه مجلس النواب سنة 1956 سيعني حكما حرمان المتقاضين من الطعن بها أمام مجلس شورى الدولة ما يطيح بكل اجتهادات القضاء الإداري على مرّ السنوات بهذا الخصوص. لا بل الأغرب من ذلك أن إعلان اختصاص المجلس الدستوري في هذا المجال عمليا منح تلك القرارات حصانة مطلقة إذ أن رئيس الجمهورية لن يقدم على الطعن بقرارات اتخذتها سلطات دينية تابعة للطائفة السنية والأمر نفسه ينسحب على رئيس مجلس النواب، ولا يمكن تخيل إقدام رئيس مجلس الوزراء على الطعن لأسباب سياسية يمكن تخيلها. وقد يمتنع أيضا النواب من سائر الطوائف عن الطعن إذ يقتصر على النواب من الطائفة السنية الذين سيترددون لأسباب سياسية معروفة. يبقى أن يتقدم بالطعن رؤساء الطوائف الدينية وهذا من الفرضيات التي لا تصدق إلا في عالم الخيال إذ لن يقوم رئيس طائفة بالتدخل في الشؤون الدينية والإدارية لطائفة أخرى. وهكذا يظل مفتي الجمهورية أي الرئيس الديني للطائفة السنية الذي من المستبعد جدا أن يطعن بقرار مجلس هو رئيسه.
وبما أن قرارات المجلس الدستوري هي نهائية وملزمة لجميع السلطات فإن الطعن بمرسوم إصدار الموازنة سيسمح له بفرض أي قرار يتخذه انطلاقا من المدرسة الواقعية للقانون التي تعتبر أن القانون هو ما يتم تطبيقه فعليا بغض النظر عن مدى سلامة هذا التطبيق لجهة الفقه القانوني أو المنطق الدستوري. لكن هشاشة المجلس الدستوري في حال أعلن اختصاصه للنظر في هذا المرسوم سرعان ما تظهر إذا أقدم مجلس النواب على تعديل المادة 18 وإلغاء النص المتعلق برقابة النصوص التي لها قوة القانون عندها سيفقد المجلس الدستوري هذه الصلاحية الخاضعة كليا لإرادة مجلس النواب. فصلاحيات المجلس الدستوري القضائية لا يمكن أن تكرس إلا في أحكام الدستور نفسه وإلا يكون اختصاص هذا المجلس خاضعا لمجلس النواب أي السلطة التشريعية التي من المفترض أن يراقبها المجلس الدستوري.
جرّاء ما تقدّم يصبح جليا أن مسألة الطّعن بمرسوم إصدار الموازنة يعيد تسليط الضوء على نص المادة 19 من الدستور نظرا لصياغتها الفقيرة والضعيفة. فكيفية تعيين أعضاء المجلس الدستوري وعددهم والمهل للبتّ في الطعون كلها تفاصيل مثلا ينص عليها الدستور الفرنسي بينما تغيب كليا عن الدستور اللبناني الذي يكرس مادة وحيدة مقتضبة فقط عن المجلس الدستوري، بينما يترك كل التفاصيل إلى القانون، أي أنه يرهن المجلس الدستوري بمزاجية السلطة السياسية التي يمكن لها تعديل هذا القانون ما يضعف من استقلالية المجلس الدستوري. فالمادة 18 في الحقيقة لا تعزز من رقابة المجلس الدستوري بل هي تظهر مدى تبعية هذا الأخير لمجلس النواب وبالتالي على المجلس الدستوري عندما تسنح له الفرصة أن يعلن أن المادة 18 هي مخالفة للدستور ويقضي بإبطالها كي يفهم مجلس النواب أن صلاحياته يحددها الدستور وليست منحة[7] من السلطة التشريعية.
في الخلاصة، إن ممارسة الحكومة لصلاحياتها المحفوظة لها في المادة 86 من الدستور هو تطور إيجابي إذ يعيد التذكير بمحورية دور السلطة التنفيذية التي عانت لسنوات طويلة من الشلل بسبب طبيعة النظام السياسي القائم في لبنان ويعيد لها شيئا من الفعالية بعد الصلاحيات العديدة التي فقدتها عملا باتفاق الطائف. لكن ممارسة هذه الصلاحية تم في ظل غياب لقطع الحساب وهو أمر يضعف من أهمية هذه الخطوة لناحية تأمين الانتظام المالي للدولة. يبقى أن إحياء المادة 86 بعد خمسين سنة من الغياب ترافق هذه المرة مع وجود مجلس دستوري منحه الدستور صلاحية مراقبة دستورية القوانين لكن القانون العادي منحه أيضا صلاحية مراقبة النصوص التي لها قوة القانون وهو أمر غير مألوف ولا وجود له في الدول التي تتبع النظام الفرنسي كما أنه مستغرب إذ سيحرم القضاء الإداري في لبنان من ممارسة دوره في العديد من المسائل التي قد تطرح أمامه.
[1] على الرغم من إقرار قانون قطع الحساب كما يظهر بشكل واضح في جلسة مجلس النواب لكن لا وجود له في الجريدة الرسمية إذ لم نتمكن من العثور عليه وهو ما يشكل لغزا يصعب تفسيره.
[2] “Considérant que la compétence du Conseil constitutionnel est strictement délimitée par la Constitution, que le Conseil ne saurait donc être appelé à se prononcer sur d'autres cas que ceux qui sont limitativement prévus par ces textes” (Dc Numéro 62-20 du 6 décembre 1962)
[3] “Il résulte logiquement de ces textes qu’en droit libanais l’acte législatif se définit comme un acte élaboré par la chambre des députés selon la procédure prévue par la constitution. Inversement les actes ne répondant pas à cette définition et ceux notamment n’émanant pas de la Chambre des députés ne peuvent être considérés comme des lois. Il en va ainsi quelque soit l’objet ou les effets de ces actes” (دراسة العميد أوبي منشورة في المجلد الثاني من مجلة الحياة النيابية الصادرة سنة 1973 عدد كانون الثاني-شباط، ص. 92).
[4] “Considérant que (...), le contrôle de constitutionnalité exercé par le Conseil constitutionnel ne peut porter que sur les lois, et non sur les ordonnances prévues par l'article 38 de la Constitution (DC 85-196 du 8 août 1985).
[5] “Considérant que la loi de finances a été établie, en recettes, conformément aux dispositions actuellement en vigueur et qu'il n'appartient pas au Conseil constitutionnel de se prononcer sur la légalité des décrets fixant le taux des redevances critiquées” (DC 84-184 du 29 décembre 1984).
[6] لا بد من الإشارة إلى تطور كبير حدث في اجتهاد المجلس الدستوري الفرنسي سنة 2020 إذ اعتبر أن المراسيم الاشتراعية تصبح بمجرد انتهاء التفويض الممنوح للحكومة بمثابة نصوص تشريعية كالقانون العادي. وقد أثار هذا القرار جدلا واسعا لا سيما في مجال توزيع الاختصاص بين مجلس شورى الدولة الفرنسي والمجلس الدستوري. لكن هذه الإشكالية تختلف كليا لناحية نتائجها عن الوضع اللبناني كون الدستور الفرنسي يسمح للمواطنين العاديين عبر آلية تمر بمحكمة التمييز أو مجلس الشورى بالدفع بعدم دستورية القوانين في الأمور المتعلقة فقط بالحقوق والحريات العامة التي يضمنها الدستور. وقد عمد مجلس شورى الدولة الفرنسي إلى توضيح دوره بعد موقف المجلس الدستوري فاعتبر أن المراسيم الاشتراعية قبل تصديقها يمكن الطعن بها أمامه سواء لتجاوز حد السلطة أو عن طريق الدفع بعدم دستوريتها وأن مجلس شورى الدولة يمكن له إبطالها في الحالة الأولى أو عدم تطبيقها في الحالة الثانية والاستثناء الوحيد والجديد الناجم عن قرار المجلس الدستوري هو أن عند انتهاء مهلة التفويض لا يمكن الطعن بأحكام المرسوم الاشتراعي التي تتعلق حصرا بالحريات والحقوق إلا عبر الدفع بعدم دستوريتها أمام المجلس الدستوري (CE, ass., 16 déc. 2020, req. n° 440258). إمكانية الطعن بالمرسوم الاشتراعي لا تزال قائمة بالنسبة للمواطنين العاديين سواء لتجاوز حد السلطة أو الدفع بعدم دستورية النص أو الدفع بعدم دستورية نص يخالف الحقوق والحريات بينما المادة 18 تمنع الطعن بشكل مطلق لا سيما وأن حق المواطن خلال المحاكمة الدفع بعدم دستورية نص قانوني أمام المجلس الدستوري غير متوفرة في لبنان.
[7] وفي هذا يمكن للمجلس الدستوري أن يقتدي بالمحكمة العليا الأميركية في أشهر قرار لها على الإطلاق سنة 1803 (Marbury v. Madison) عندما رفضت تطبيق قانون يمنحها صلاحيات إضافية كون ذلك يخالف اختصاصها المحدد حصرا في الدستور.
“If congress remains at liberty to give this court appellate jurisdiction, where the constitution has declared their jurisdiction shall be original; and original jurisdiction where the constitution has declared it shall be appellate; the distribution of jurisdiction made in the constitution, is form without substance (...) The authority, therefore, given to the supreme court, by the act establishing the judicial courts of the United States, to issue writs of mandamus to public officers, appears not to be warranted by the constitution”