اقتراحان لتعديل المادة 108 من قانون الأصول الجزائية: إصلاح ضروري لنظام التوقيف الاحتياطي

غيدة فرنجية , علي سويدان

28/02/2025

انشر المقال

في خضمّ أزمة الاكتظاظ في أماكن احتجاز الحريّة في لبنان التي تفاقمت خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة، ومع تزايد المطالبات بإقرار قانون للعفو عن السجناء بهدف رفع الظلم عن عددٍ كبير من الموقوفين غير المحكومين، قُدّم في الأشهر السابقة للبرلمان اللبناني اقتراحَا قانون يرميان إلى تعديل المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تحدّد المدّة القصوى للتوقيف الاحتياطي: الأول قدّمه النائب إيهاب مطر (طرابلس، مستقل) في تاريخ 28/9/2024 والثاني قدّمه النائب بلال عبدالله (الشوف، كتلة اللقاء الديمقراطي) في تاريخ 16/12/2024.

يشكّل الحدّ من مدّة التّوقيف الاحتياطيّ إحدى أهمّ ضمانات المحاكمة العادلة في النظام الجزائيّ كونها الفترة التي يتمّ فيها احتجاز الأشخاص للاشتباه بارتكابهم جريمة في الوقت الذي يستفيدون فيه من قرينة البراءة قبل إصدار الحكم بحقّهم. ويكتسب هذان الاقتراحان أهمية متزايدة مع تفاقم مشاكل السجون وأماكن التوقيف. إذ بحسب مديرية السجون في وزارة العدل، وصلت نسبة الاكتظاظ في السجون ونظارات قصور العدل التي تديرها قوى الأمن الداخلي إلى 200% في منتصف العام 2024 لترتفع إلى 300% بعد توّسع العدوان الإسرائيلي على لبنان. كما بلغت نسبة الموقوفين احتياطيًّا 65% من إجماليّ النزلاء في منتصف العام 2024، والذين بلغ عددهم ما يُقارب 6600 شخص في 25 سجنًا و8 نظارات في ستّة قصور عدل (بعبدا، بيروت، طرابلس، زحلة، صيدا، النبطية).

تعدّدت الأسباب الموجبة للاقتراحين، لكنها تتفق على ضرورة معالجة مشاكل الاكتظاظ في السجون وضعف الخدمات فيها وبطء الإجراءات القضائية والحفاظ على قرينة البراءة وعدم اللجوء للتوقيف الاحتياطي كعقوبة مسبقة. ويعتمد الاقتراحان توجّهات مختلفة للوصول إلى الغاية نفسها: إذ أنّ اقتراح مطر يتّجه نحو تخفيض المدّة القصوى للتوقيف الاحتياطي، في حين يتجه اقتراح عبد الله نحو الإبقاء على الآماد المنصوص عليها في القانون الحالي، إنما مع إلغاء الاستثناءات التي تمنع استفادة بعض الموقوفين منها (المتعلقة بسجله السابق ونوع الجنايات المدّعى بها) واستبدالها برفع المدّة القصوى للتوقيف في بعض قضايا الجنايات. وفي حين أضاف اقتراح مطر عددًا من الضمانات الهامّة بهدف ضمان التزام السلطات القضائية بهذه المدّة القصوى، تجاهل عبد الله هذا الأمر تمامًا.

ونعرض تاليًا جدولين للمقارنة بين نصّ القانون الحالي والاقتراحيْن، قبل إبداء ملاحظاتنا عليهما.

جدول مقارنة حول آماد التوقيف الاحتياطي في قضايا الجنح

في قضايا الجنح

القانون الحالي

اقتراح مطر

اقتراح عبد الله

المدّة القصوى للتوقيف

شهران

15 يومًا

شهران

شروط تمديد المدة

شهران في حالة الضرورة القصوى

15 يومًا في حالة الضرورة القصوى

- شهران بقرار معلّل وفي حالة الضرورة القصوى

- يمكن تمديدها لستة أشهر في حالة المحكوم عليه سابقًا بعقوبة مدتها سنة على الأقل

الاستثناءات

المحكوم عليه سابقًا بعقوبة مدتها سنة على الأقل

المحكوم عليه سابقًا بعقوبة مدتها سنة ونصف على الأقل

إلغاء الاستثناءات

جدول مقارنة حول آماد التوقيف الاحتياطي في قضايا الجنايات

في قضايا الجنايات

القانون الحالي

اقتراح مطر

اقتراح عبد الله

المدّة القصوى للتوقيف

6 أشهر

3 أشهر

6 أشهر

شروط تمديد المدة

6 أشهر لمرة واحدة بقرار معلل

3 أشهر لمرة واحدة بقرار معلل

- 6 أشهر لمرّة واحدة بقرار معلل.

- يمكن تمديد المدة إلى 5 سنوات قبل صدور القرار الاتهامي و7 سنوات في حال صدور القرار الاتهامي: لمن كان محكومًا بجرائم القتل والمخدرات والاعتداء على أمن الدولة والجنايات ذات الخطر الشامل وجرائم الإرهاب وحالة الموقوف المحكوم عليه سابقًا بعقوبة جنائية. 

الاستثناءات

- المدعى عليه بجنايات القتل والمخدرات والاعتداء على أمن الدولة والجنايات ذات الخطر الشامل وجرائم الإرهاب.

- المحكوم عليه سابقًا بعقوبة جنائيةـ

لا تعديل على القانون الحالي

إلغاء الاستثناءات


 

 

مطر: تخفيض المدّة القصوى للتوقيف الاحتياطيّ

في الصيغة الحالية للمادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، لا يجوز أن تتعدّى مدّة التّوقيف الاحتياطيّ في الجنحة شهرين، يمكن تمديدها مدة مماثلة كحدّ أقصى في حالة الضرورة القصوى. أما في الجنايات فتنصّ المادة الحالية على عدم جواز تعدّي مدة التوقيف ستة أشهر يمكن تجديدها لمدة مماثلة مرة واحدة بقرار معلل. ولا يستفيد الموقوف من هذه المدّة القصوى إلا في حال استيفائه شروطًا إضافية تتعلق بسجلّه السابق والجنايات المدّعى بها، وهو ما سنتناوله تفصيلًا في الفقرة التالية.

جاء اقتراح النائب مطر ليُخفّض هذه الآماد القصوى بشكل كبير. ففي الجنحة، يقترح أن تُصبح مدّة التوقيف القصوى 15 يومًا بدل شهرين، مع إمكانية تمديدها مدة مماثلة كحدٍّ أقصى في حالة الضرورة القصوى. وفي الجنايات، يقترح أن تصبح مدّة التوقيف القصوى 3 أشهر بدل 6 أشهر، مع إمكانية تجديدها لمدة مماثلة مرة واحدة بقرار معلل. وقد برّر الاقتراح في أسبابه الموجبة هذا التوّجه ليس فقط بهدف تخفيض الاكتظاظ في السجون، بل أيضًا لتأكيد ضرورة محاكمة المدّعى عليهم والمتهمين وهم خارج السجون طالما أنّهم لا يشكّلون خطرًا داهمًا على المجتمع، أي بمعنى آخر مبدأ استثنائية التوقيف الاحتياطي.

يشكّل تخفيض المدّة القصوى للتوقيف الاحتياطي كما هو مقترح من قبل النائب مطر مدخلًا أساسيًا للحدّ من آماد التوقيف الاحتياطي. وتُعدّ مدّة الستة أشهر في قضايا الجنايات المنصوص عنها في القانون الحالي مدّة طويلة نسبيًا، وذلك وفقًا للجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان التي وجدت في إطار مراجعتها لأحد التشريعات الوطنية أن 6 أشهر هو حد زمني أقصى طويلٌ جدًّا ولا يتناسب مع الفقرة 3 من المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تضمن حق الموقوف أن يحاكم خلال مهلة معقولة أو أن يفرج عنه.[1]

إلا أنّ الآماد المقترحة في إقتراح النائب مطر قد تعد قصيرة نسبيًا وتشكّل عائقًا امام حسن سير العدالة، نظرًا لوتيرة العمل الحالية في قصور العدل. فقد أظهرت دراستان ل “المفكّرة القانونية” حول التوقيف الاحتياطي في قضايا الجنح (2018) وفي قضايا الجنايات (2024) أن السلطات القضائية لم تتمكّن من الالتزام بالمهل القانونية المتعلقة بالتوقيف الاحتياطي المنصوص عليها في القانون الحالي. ففيما يقترح مطر أن تصبح المدّة القصوى للتوقيف في قضايا الجنح 15 يومًا قابلة للتجديد لمّرة واحدة، وجدت الدراسة الأخيرة (2024) أنّ مثول الموقوف أمام قاضي التحقيق غالبًا ما يحصل بعد انقضاء هذه المدّة، إذ أنّ متوسّط المدّة بين توقيف المدعى عليه من قبل النيابة العامّة وإصدار قاضي التحقيق لمذكرة التوقيف الوجاهية قد بلغ 32 يومًا في عينة من قضايا الجنايات، في وقت يفرض فيه القانون الحالي أن لا تتجاوز هذه المدّة خمسة أيّام (4 أيًام قبل الإدعاء والمثول الفوري أمام قاضي التحقيق بعد الإدعاء).

فغالبًا ما تتأخر الإجراءات قبل مثول الموقوف أمام قاضي التحقيق لاستجوابه وتقرير مدى ضرورية توقيفه لأسباب عدة، منها ما يتعلّق بتعذّر سوق الموقوفين من أماكن الاحتجاز إلى قصور العدل، ومنها ما يتعلّق بكيفية إدارة دوائر التحقيق لمتابعة ملفات الموقوفين. كما أن المدعى عليه يُتاح له اللجوء إلى وسائل دفاع قد تؤدي إلى تأخير الإجراءات، من بينها الاستمهال لتوكيل محامٍ وتقديم دفوع شكلية قبل استجوابه، والتي قد يستغرق البت فيها وقتًا أطول من أسبوعين، مما قد يحرم القضاء من إمكانية التحقيق معه في حال امتنع عن المثول بعد إخلاء سبيله.

إلا أنه في ظل الواقع القضائي الحالي الذي قد يُصعِّب من إمكانية الالتزام الصارم بمدّة أقصر، فإنه يستدعي البحث في وسائل تمكين القضاء من الالتزام بهذه المهل، وفي طرح بدائل كفرض مراجعة دورية للتوقيف، تستند إلى تقييم مدى ضرورته وخطورة الجريمة المرتكبة، وهو ما غاب عن الاقتراحين.

أما اقتراح النائب عبدالله، فلم يعدّل الآماد القصوى للتوقيف الاحتياطي كمبدأ عام (4 أشهر في الجنح وسنة في الجنايات)، بل أضاف موجب إصدار قرار معلل لتمديد المدة في قضايا الجنح (كما هي الحال حاليًا في قضايا الجنايات)، وأبقى على شرط توفّر الضرورة القصوى للتمديد، مما يعزز من الضوابط المفروضة على قرارات التمديد. إلأ أنّه في المقابل أجاز تمديد هذه الآماد لبعض الحالات إلى 7 سنوات كحد أقصى، وهو ما سنتناوله أدناه.

عبد الله: إلغاء الاستثناءات مقابل رفع المدة القصوى للتوقيف الاحتياطي

يضع القانون الحالي شروطًا للاستفادة من المدّة القصوى للتوقيف الاحتياطي وتمديدها تتعلق بسجل الموقوف ونوع الجريمة المدعى بها بحيث يجوز للسلطات القضائية إبقاء الموقوف قيد التوقيف إلى حين انتهاء محاكمته. في قضايا الجنح، يستثني القانون حالة المحكوم عليه سابقًا بعقوبة مدتها سنة على الأقل؛ وفي قضايا الجنايات، يستثني حالتين: الأولى، هي حالة المدعى عليه بجنايات تعدّ خطيرة وهي “جنايات القتل والمخدرات والاعتداء على أمن الدولة والجنايات ذات الخطر الشامل وجرائم الإرهاب”، والثانية، حالة المحكوم عليه سابقًا بعقوبة جنائيةـ

يُبقى اقتراح النائب مطر على هذه الاستثناءات، ويقترح إدخال تعديل على الاستثناء في قضايا الجنح يأتي لمصلحة الموقوف، بحيث لا يستفيد من المدّة القصوى للتوقيف الشخص المحكوم عليه سابقًا بعقوبة مدتها سنة ونصف بدلًا من سنة.

أما اقتراح النائب عبدالله، فهو يُلغي هذه الاستثناءات بحيث يمكن لأي موقوف أن يستفيد من المدّة القصوى للتوقيف الاحتياطي، وبرر ذلك بأنها لم تكن نية المشرّع أن يبقى الموقوف يقبع في السجن لسنوات غير محددة. وفي حين أبقى على آماد التوقيف المنصوص عليها في القانون الحالي (أي 4 أشهر في الجنح وسنة في الجنايات)، إلا أنّه في المقابل، يقترح رفع سقف هذه الآماد في ثلاث حالات تتعلّق بالسجل الجرمي السابق للموقوف: في قضايا الجنح، يُجيز الاقتراح تمديد التوقيف حتى 6 أشهر كحد أقصى بالنسبة لـ “من كان محكوماً سابقاً بعقوبة مدتها سنة على الأقل”  (البند 1 من الاقتراح). وفي قضايا الجنايات، يمكن تمديد مدّة التوقيف لخمس سنوات قبل صدور القرار الاتهامي، وسبع سنوات في حال صدور القرار الاتهامي، بالنسبة ل “من كان محكومًا بجرائم القتل أو المخدرات أو الاعتداء على أمن الدولة أو جناية من الجنايات ذات الخطر الشامل أو بجريمة إرهاب” وللموقوف “المحكوم عليه سابقًا بعقوبة جنائية” (البند 3 من الاقتراح).

ويستدعي هذا التعديل المقترح الملاحظات التالية:

  • توّجه إصلاحي لوضع سقف لجميع حالات التوقيف

خلافًا للقانون الحالي واقتراح مطر، يساهم اقتراح عبد الله، من خلال إلغاء الاستثناءات على الاستفادة من المدّة القصوى للتوقيف الاحتياطي، في تطبيق مبدأ استثنائية التوقيف الاحتياطي وفي ضمان هدف التوقيف الاحتياطي بمنع الضرر بدلًا من اعتباره وسيلة لإنزال عقوبة مسبقة.

وقد أظهرت دراسة “المفكّرة” (2024) أنّ محاكم الجنايات قضت على 63% من الموقوفين المشمولين في العينة بعقوبة مانعة للحرِّية أطول من مدّة توقيفهم الاحتياطي، فيما قضت بعقوبة أقصر من مدّة التوقيف على 9.5% منهم، وبعقوبة مساوية لمدّة التوقيف على 7.6%، ولم تَقُم بإدانة 17% منهم (إعلان البراءة أو وقف الملاحقة بحقّهم). لذا، من شأن اقتراح عبد الله أن يرفع الظلم عن عدد كبير من الموقوفين الذين طالت فترات توقيفهم لسنوات عدّة دون أن تنتهي محاكمتهم. كما من شأنه أن يشجّع السلطات القضائية على تسريع الإجراءات القضائية لضمان المحاكمات الوجاهيّة، طالما أنّها لن تبقى قادرةً على إبقاء الموقوفين قيد الاحتجاز طيلة فترة التحقيق والمحاكمة في حال تجاوزت السنوات السبع.

وكانت “المفكّرة” قد أوصتْ مجلس النوّاب بإعادة النظر في نظام التوقيف الاحتياطي من خلال البحث في إمكانية أن تصبح جميع قرارات التوقيف الاحتياطي مُحدَّدة المدّة، بحيث يفرض على السلطات القضائية تجديد هذه المدّة بموجب قرار خطّي مُعلَّل.

ويسجّل أنّه سبق للحكومة اللبنانية في العام 2009 أن اقترحت إلغاء غالبية هذه الاستثناءات من خلال مشروع قانون صاغه وزير العدل غداة الإفراج عن الضباط الأربعة المتهمين باغتيال رفيق الحريري، بهدف مواءمة المادة 108 مع المعايير الدولية حسب ما جاء في أسبابه الموجبة. ولكن المجلس النيابي انتهى في العام 2010 ليس فقط إلى رفض التعديل المقترح، بل إلى إضافة استثناءات جديدة على هذه القاعدة، وهي جرائم الإرهاب.

  • الاعتماد على معيار السجل السابق بدلًا من الجرائم المدعى بها

بالرغم من أهمية إلغاء الاستثناءات التي وردت في اقتراح عبد الله، وتحديد آماد توقيف قصوى لجميع الموقوفين، إلا أنّه اعتمد على معايير تتعلق بالسجل السابق للموقوف لرفع سقف التوقيف الاحتياطي في بعض الحالات، من دون أن يستند إلى أي معيار يتعلّق بالجرائم المدعى بها، وهو المعيار الذي توصي به الممارسات الفضلى والمعايير الدولية[2] بحيث تربط المدة القصوى للتوقيف الاحتياطي بالعقوبة القصوى للجريمة المدعى بها. ويؤدّي توجّه اقتراح عبدالله إلى التشدد في معاملة المحكوم السابق بالجرائم التي يعددها، مهما كانت الجرائم الموقوف بها.

  • تشدد في رفع سقف التوقيف للمحكومين سابقًا بجنح

يبقى أنّ الصياغة المقترحة لهذا التعديل تتضمن توجهًا معاكسًا لأسبابه الموجبة يؤدّي إلى توسيع حالات الموقوفين الذين لا يمكنهم الاستفادة من مدّة السنة كحد أقصى لتوقيفهم (6 أشهر قابلة للتجديد لمرّة واحدة). فهي تُجيز تمديد التوقيف في قضايا الجنايات إلى 7 سنوات كحد أقصى ل “من كان محكومًا بجرائم القتل والمخدارت والاعتداء على أمن الدولة”، وهو ما يشمل الجنح من دون حصرها في الجنايات (كما هي الحال في القانون الحالي الذي يمنع المدّعى عليه بهذه الجنايات من الاستفادة من المدة القصوى للتوقيف).

وعليه، يؤدّي ذلك إلى تشديد إجراءات التوقيف بحق المحكومين سابقًا بجنح مثل استخدام المخدرات والتسبب بوفاة عن غير قصد، في حين أنّ بعضها لا تعدّ من الجنح الخطيرة التي قد تستوجب معاملة أقسى. كما أنّها تؤدّي إلى معاملة من حُكم عليه سابقًا بإحدى هذه الجنايات (كالإتجار بالمخدرات أو القتل العمدي) أسوة بالذي حّكم عليه سابقًا بإحدى هذه الجنح (كاستخدام المخدّرات أو القتل عن إهمال) بالرغم من الاختلاف الكبير في المسؤوليات الجزائية وخطرها المحتمل على المجتمع. وإذا ما أخذنا على سبيل المثال حالة شخص موقوف بجناية السرقة الذي كان قد حُكم عليه سابقًا بغرامة لجنحة استخدام المخدرات، فإنّ المدّة القصوى الجائزة لتوقيفه بحسب القانون الحالي هي سنة. أمّا في حال إقرار اقتراح عبد الله بصيغته الحالية، فيُصبح الحد الأقصى لتوقيفه 7 سنوات.

وفي حين يتعارض هذا التوّجه مع الهدف المعلن لاقتراح عبد الله بخفض آماد التوقيف الاحتياطي، لم تتضمن الأسباب الموجبة أي تبرير لهذا البند. وقد استوضحت “المفكّرة” النائب عبد الله حول هذا الأمر، إلا أننا لم نتلقّ أي جواب منه.

  • ضعف الضوابط لمنع التعسّف

لم يضع الاقتراح ضوابط كافية لتطبيق هذا البند الذي يجيز تمديد التوقيف إلى حدّ 7 سنوات بهدف منع التعسّف في استخدامه. فقد أبقى إقتراح عبد الله، كما اقتراح مطر، على عبارة “الجنايات ذات الخطر الشامل” لتقييد إمكانية الاستفادة من المدّة القصوى للتوقيف، علمًا أنها عبارة فضفاضة وغير محدّدة في أيّ من القوانين اللبنانية، مما يفسح مجالاً للتوّسع في تفسيرها بما قد يؤثر على الضمانات الممنوحة في الاقتراحين. كما لم يفرض اقتراح عبد الله صراحة موجب تعليل قرار تمديد مدّة التوقيف في هذه الحالات أو شرط توّفر حالة ضرورة تبرّره.

  • آماد توقيف طويلة

تعدّ الآماد المقترحة في اقتراح عبد الله (توقيف لحد أقصى يصل إلى 5 سنوات قبل صدور القرار الاتهامي و7 سنوات في حال صدوره) طويلة نسبيًا، وقد تتعارض مع مبدأ قرينة البراءة، ومع المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تضمن حق الشخص أن يحاكم خلال مهلة معقولة أو أن يفرج عنه، والمادة 14 من العهد نفسه التي نصت على حق المحاكمة دون تأخير غير مبرر، كما المبدأ 38 من مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن التي وضعتها الأمم المتحدة، والتي تنص على حق الشخص المحتجز بتهمة جنائية أن يحاكم خلال مدة معقولة أو أن يفرج عنه رهن المحاكمة.

وقد أظهرت دراسة “المفكّرة” حول إدارة التوقيف الاحتياطي في قضايا الجنايات (2024) أن متوسّط آماد التوقيف قد وصل إلى 7 أشهر خلال مرحلة التحقيق إذ تراوحت بين 16 يومًا و31 شهرًا، وإلى 15 شهرًا في مرحلة المحاكمة إذ تراوحت بين 2.5 شهرًا و6 سنوات. ويستدلّ من ذلك أنّ السلطات القضائية قادرة بشكل عام أن تلتزم بمهل أقصر للتوقيف في قضايا الجنايات.

يبقى أنّ الانتقاد الأبرز لاقتراحيْ عبد الله ومطر أنّهما تغاضيا عن ربط المدة القصوى للتوقيف الاحتياطي بالعقوبة القصوى للجريمة المدعى بها، بحيث تكون العلاقة بينهما متناسبة، وهو ما يُعتبر من الممارسات الفضلى وفقًا للمعايير الدولية كما أشرنا سابقًا. فالمعايير التي اعتمدها الاقتراحان لا تراعي مبدأ قرينة البراءة والتناسب، ولا تنطلق من الجواب على السؤال: هل الفائدة المجنية جرّاء توقيف الشخص، توازي الضرر الذي قد يلحق به أو بمجتمعه جراء توقيفه؟

كما يجدر الالتفات إلى أنّ جميع الاقتراحات المطروحة في هذا المجال، قد تغاضتْ عن مسألة في غاية الأهمية تتعلّق بتحديد آماد مختلقة للأحداث الموقوفين، بحيث يقتضي أن تتم معاملتهم بشكل خاص يراعي خصوصيّتهم من ناحية مدة التوقيف. إذ أنّ أيّا من القوانين الحالية، إن كان قانون أصول المحاكمات الجزائية أو قانون الأحداث رقم 422 تاريخ 6/6/2002، لم يتطرّق إلى مسألة المدة القصوى لتوقيف الحدث الذي يتجاوز عمر الثانية عشر.

مطر: ضمانات للالتزام بالآماد القصوى

لا يحتوي القانون الحالي أية موادّ لضمان التزام الهيئات القضائية بالآماد القصوى للتوقيف الاحتياطي، باستثناء وجوب توفّر حالة الضرورة القصوى لتمديدها في الجنحة، أو تعليل قرار تمديدها في الجناية.

وقد جاء اقتراح عبد الله ليُضيف شرط تعليل قرار تمديد المدة القصوى للتوقيف في قضايا الجنح، وهو ما يشكّل ضمانة إضافية لحماية الحرية الشخصية. ويسجّل أنّ الاقتراحين أبقيا على شرط “الضرورة القصوى” التي تُبرّر تمديد مدة التوقيف الاحتياطي في قضايا الجنح من دون تحديد نطاقه وحدوده. وإن كان من المنطقيّ إعطاء القاضي سلطة تقديرية في تحديد مضمون هذا الشرط، إلّا أن العبارة بمدلولها الواسع تترك باب التأويل والتفسير مفتوحًا على مصراعيه، في مسألة يقتضي أن تؤطّر بضوابط عامة كونها تشكّل تقييدًا للحرية الشخصية المحمية. ومن هذه الضوابط تعليل قرار تمديد المدة (الذي أضافه اقتراح النائب عبدالله) أو تلك المنصوص عليها في المادة 107 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تفرض شروطًا على القاضي عند إصدار قرار التوقيف، منها أن يكون التوقيف هو الوسيلة الوحيدة للمحافظة على أدلة الإثبات والمعالم المادية للجريمة ومنع اتصال المدعى عليه بشركائه أو المتدخلين في الجريمة أو أن يكون الغرض وضع حد لمفعول الجريمة أو حماية المدعى عليه.

أمّا اقتراح مطر، فقد استحدث عدّة ضمانات هامّة تهدف إلى تجنّب إمكانية امتداد التوقيف لأطول من المدة المحددة قانونًا، ومن شأنها المساهمة في معالجة إشكاليات قانونية وعملية تُعيق تنفيذ المادة 108، ومنها المسائل التي خلُصت إليها دراسة “المفكّرة” حول إدارة التوقيف الاحتياطي في لبنان بعد الأزمة (2024) والمتمثلة بعدم التزام السلطات القضائية بتطبيق المادّة 108 بشكل مُمَنهَج، إذ لا يُخلى سبيل الموقوفين بشكل تلقائي بعد انقضاء مهلة التوقيف القصوى، حتّى في الحالات التي تتوفّر فيها كامل شروط هذه المادّة.

  • إلغاء التمديد الضمني لمدّة للتوقيف الاحتياطي

من أهمّ الضمانات التي يُضيفها مقترح النائب مطر هي النصّ على وجوب إخلاء سبيل الموقوف فورًا وبحق إذا انقضت مهلة التوقيف الأساسية من دون صدور قرار بتمديدها. ويأتي ذلك لمعالجة ممارسة قضائية مخالفة للقانون قائمة على اعتبار التوقيف ممدّدًا بشكل تلقائيً بمجرّد انقضاء المدّة الأولية. وهذا ما رصدته دراسة “المفكرة” (2024)، إذ وجدت أن السلطات القضائية لا تصدر قرارًا صريحًا بتمديد التوقيف الاحتياطي بعد انقضاء مدة التوقيف الاساسية، بل يجري ذلك في معرض ردّ طلب إخلاء السبيل المقدم بعد انقضائها، بحيث يعتبر هذا الردّ قرارًا ضمنيًا بتمديد المهلة، مع استخدام عبارات عامة لتعليله مثل “نظرًا لطبيعة الجرم وماهيته”. إذ أن مقترح النائب مطر يعتبر أنّ انقضاء مدّة التوقيف الأساسيّة من دون صدور قرار بتمديدها يعطي الحقّ للموقوف بإخلاء السبيل بشكل تلقائي.

  • فرض الإفراج التلقائي عند تجاوز المدة القصوى

يرتّب اقتراح مطر على عدم احترام المدة القصوى للتوقيف الاحتياطي نتائج قانونية تقع في مصلحة الموقوف وتحث الهيئات القضائية على الالتزام بالضوابط القانونية. إذ يتضمن المقترح أنّه “في حال انقضاء مهلة التوقيف الأساسية دون صدور قرار بالتمديد، وانتهاء مدة التوقيف الممدّدة، يُخلى سبيل الموقوف فورًا وبحق، بقرار يُصدره القاضي الواضع يده على الملف من تلقاء نفسه أو بناء على طلب من الموقوف دون الحاجة لاستطلاع رأي النيابة العامة وإبلاغ الطلب من المدّعي الشخصي”.

ولم يكتفِ الاقتراح بترك القرار في يد المرجع القضائي الناظر في الملف، بل أضاف ضمانة إضافية من خلال منح هذه الصلاحية للنيابة العامة التي يعود لها، في حال عدم إصدار القاضي قرار إخلاء السبيل، اتخاذ هذا القرار بناء على طلب الموقوف. وهذه الآليات المقترحة وإن كانت تُسهم في منع الاحتجاز التعسفي ما بعد انقضاء المدّة القصوى للتوقيف، وتمنح الموقوف مرجعًا قضائيًا آخر لمطالبته بإخلاء سبيل في حال تقاعس المرجع الأساسي، إلّا أنها قد تفتح الباب أمام ممارسات تعسفية محتملة من قبل النيابة العامة على غرار ما فعله النائب العام التمييزي السابق غسان عويدات حينما أطلق سراح جميع الموقوفين في قضية المرفأ.

وقد يكون من الأجدى أن تُلزم النيابة العامة عند تثبتها من انقضاء مدة التوقيف القصوى، بأن تطلب من القاضي الناظر في الملف إخلاء سبيل الموقوف. على أن يكون لديها نظام يتيح إخطارها فورًا عند تجاوز مدة التوقيف حدها الأقصى لكل موقوف. وهذه الضمانة قد تُسهل جهود سلطات الاحتجاز للتخفيف من اكتظاظ أماكن احتجاز الحرية. فبحسب الممارسة السائدة حاليًا، تعمد قوى الأمن الداخلي إلى إبلاغ النيابة العامّة التمييزية بلائحة الموقوفين الذين تجاوزوا مدّة التوقيف القصوى من دون أن يكون لهذه الأخيرة أيّ صلاحية للمطالبة بإخلاء السبيل.

كما من البدهي في حال التنصيص على أن إخلاء سبيل الموقوف يتم فورا وبحق، أنه يكون لهذا الأخير إمكانية اللجوء إلى القضاء المستعجل بصفته حاميا للحقوق والحريات، علما أن من شأن تأكيد ذلك في النص أن يشكل ضمانة إضافية للالتزام بالحد الأقصى للتوقيف الاحتياطي.

يبقى أنّ الاقتراح لم ينصّ على إبطال الإجراءات القضائية التي يقوم بها المرجع القضائي بعد انقضاء مدّة التوقيف القصوى في حال عدم إخلاء سبيل الموقوف، وهي من التوصيات التي وجهتها “المفكّرة” لمجلس النواب كونها تعدّ من الضمانات التي شأنها أن تنتج مفاعيل قانونية هامّة بهدف ضمان الالتزام بالمادة 108.

  • تكريس مبدأ إخلاء السبيل “بحقّ” 

يصف اقتراح مطر إخلاء السبيل بعد انقضاء المدّة القصوى للتوقيف بأنّه إخلاء سبيل “بحق”، وذلك أسوة بما جاء المادة 113 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تفرض إخلاء السبيل “بحق” للموقوف اللبناني بعد انقضاء خمسة أيّام على توقيفه بجنحة لا تتجاوز عقوبتها القصوى الحبس لمدّة سنتين في حال لم يكن محكومًا سابقًا بعقوبة جرم شائن أو بعقوبة الحبس مدة سنة على الأقل. وتكمن أهمية ذلك في أنّه يؤدّي إلى وضع حدّ لممارسة قضائية تفرض شروطًا مقابل إخلاء سبيل الموقوفين بموجب المادة 108 رغم انتهاء مدّة توقيفهم القصوى، ومنها إلزامهم بدفع كفالات مالية. وغالبًا ما تكون هذه الكفالات مرتفعة فلا يتمكّن الموقوف من دفعها، مما يبقيه قيد التوقيف رغم انقضاء المدّة القصوى وصدور قرار بإخلاء سبيله، وأحيانًا يكون رفع قيمة الكفالة وسيلة لإبقائه قيد التوقيف وتجاوز هذه المدة.

ويعود ذلك إلى تفسير نصّ المادة 108 من قبل بعض القضاة على أنّها لا تضمن إخلاء السبيل من دون شروط، بدليل عدم تضمينها عبارة إخلاء السبيل “بحقّ”، مقارنة مع نصّ المادة 113. ورغم أنّ محكمة التمييز وبعض القضاة يتّجهون نحو اعتماد تفسير يضمن حقّ الموقوف بإخلاء سبيله لدى توّفر شروط المادة 108 بحق ومن دون أي شروط، انطلاقًا من مبدأ استثنائية التوقيف الاحتياطي، لا يزال بعض القضاة يرفضون هذا التفسير باعتبار أن الكفالة المالية تُشكّل ضمانة للتعويض على المدعي المتضرّر في حال ثبوت الجرم. وهذا ما حمل “المفكّرة” إلى التوصية بتعديل المادّة 108 لتسهيل شروط تطبيقها، لا سيّما من خلال النصّ صراحةً على وجوب إخلاء السبيل بحقّ لدى انقضاء المهلة القصوى للتوقيف الاحتياطي. لذا، يشكّل تضمين عبارة “بحق” في مقترح مطر إضافة مهمة لتكريس هذا المبدأ.

  • تسهيل إجراءات إخلاء السّبيل بحقّ

يقترح النائب مطر إلغاء عددٍ من الشروط الشكلية من أجل تسهيل إجراءات إخلاء السبيل بحق بعد انقضاء المدّة القصوى للتوقيف بموجب المادة 108، أهمّها صلاحية القاضي باتخاذ قرار إخلاء السبيل من دون اشتراط تقديم استدعاء من قبل الموقوف. وهذا الأمر يقطع الطريق على ممارسة قضائية راهنة تعتبر أنّه ليس من حق القاضي إخلاء سبيل الموقوف من دون استدعاء، وذلك استنادًا لتفسير المادة 114 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تنصّ على وجوب تقديم استدعاء من قبل الموقوف لإخلاء سبيله من قبل القاضي في حال لم تتوافر شروط تخلية السبيل “بحق” على أنّها تنطبق على إخلاء السبيل بموجب المادة 108. وتعتبر هذه الضمانة في غاية الأهمية خصوصًا أنّ أحد العوامل التي تُسهم في إطالة مدة التوقيف الاحتياطي بحسب دراسة “المفكرة” (2024) الآنفة الذكر، هو غياب التمثيل القانوني للموقوف، إذ لوحظ ارتفاع هذه المدة بالنسبة للموقوفين الذين لا يمثّلهم أي محامٍ.

بالإضافة إلى ذلك،  يُلغي إقتراح مطر وجوب استطلاع رأي النيابة العامة وإبلاغ المدعي الشخصي قبل اتخاذ القرار بإخلاء السبيل بحق، وهو ما يقطع الطريق على إجراءات تؤدي لإطالة التوقيف الاحتياطي بسبب بطء العمل القضائي. إذ إن مطالعة النيابة العامة وإبلاغ المدعي الشخصي قد تستغرق أيامًا أو أسابيع، وتتطلب اتخاذ إجراءات قد تكون مرهقة بالنسبة للموقوف، وخصوصًا في حالة الموقوف الذي يفتقر للتمثيل القانوني.

ولكن في المقابل، لكي يُستكمل تطبيق هذه المادة ويكتمل معناها الحمائي، ينبغي ربط الأقلام القضائية بأماكن التوقيف بشكل يُنبّه القاضي ويُشعِره بانقضاء مدة التوقيف الاحتياطي للموقوف الذي ينظر في ملفه، إذ إنه في غياب المكننة وفي ظلّ آليات العمل والإدارة الحالية، يكاد يستحيل على القاضي الإحاطة بهذا الأمر من تلقاء نفسه، الأمر الذي قد يعطل تفعيل هذه الضمانة.

  • إشكالية حظر مراجعة قرارات إخلاء السبيل

أضاف اقتراح مطر أن قرار إخلاء السبيل بموجب المادة 108، سواء صدر عن القاضي أو عن النيابة العامة، لا يقبل أيّ طريق من طرق المراجعة في حال توفّرت شروط هذه المادة. وهذا البند، وإن كان يهدف إلى عدم إطالة أمد التوقيف الاحتياطي، إلا أنّه ينتقص من حقوق المدعي الشخصي والنيابة العامة بالطعن بقرارات إخلاء السبيل في حال عدم توّفر شروط المادة 108، ما ينتقص عمليًا من حقوق التقاضي وينفي الرقابة القضائية على هذه القرارات من خلال تحصينها من أي مسألة وفتح الباب أمام التعسّف في استخدامها. لذا كان من الأجدى معالجة هذه المسألة من خلال الإبقاء على إمكانية الطعن في هذه القرارات مع تحديد مهل قصيرة لممارسة حقّ الطعن وللبتّ فيها، أو حتى مع عدم حيازتها على قوة وقف تنفيذ القرار، بما يضمن عدم إطالة مدة التوقيف الاحتياطي.

  • إلزامية فرض منع السفر

تضمّن اقتراح مطر أنّه “على” القاضي اتخاذ قرار بمنع سفر الموقوف عند إخلاء سبيله لمدة لا تقل عن شهرين في الجنحة والسنة في الجناية. ويستدلّ من هذه الصياغة أن الاقتراح يفرض على القاضي في حال إخلاء سبيل المدعى عليه بحق بموجب المادة 108 أن يمنعه من السفر، وهذا ما يتنافى مع مبدأ قرينة البراءة الذي جاء في أسبابه الموجبة. والأفضل أن يعود أمر تقدير هذه المسألة إلى السلطة الاستنسابية للقاضي وفقًا لمعطيات الملف، كما هي الحال في القانون الحالي وفي اقتراح النائب عبدالله، وذلك باستخدام عبارة “للقاضي” بدل “على القاضي” لما يشكّل ذلك من تقييد غير مبرر لحريّة التنقل.

خلاصة

تشكّل مبادرة النائبين مطر وعبد الله خطوة ضرورية لإصلاح نظام التوقيف الاحتياطي ومدخلًا أساسيًّا للتخفيف من الاكتظاظ في السجون، إلا أنّها يجب أن تترافق مع إعادة نظر بنظام التوقيف الاحتياطي برمتّه. ومن مراجعة الاقتراحين، توصي “المفكّرة” بأن تتم دراستهما بشكل متزامن من أجل اعتماد أفضل التوّجهات التي يقترحها كلّ منهما لتعديل المادة 108 كما المعايير الدولية، وأبرزها:

  • اعتماد آماد للحد الأقصى للتوقيف ترتبط بمدّة العقوبة القصوى للجريمة المدعى بها، بحيث تكون العلاقة بينهما متناسبة،
  • اعتماد مبدأ الحد الأقصى للتوقيف الاحتياطي لجميع الموقوفين من دون استثناء (عبد الله)،
  • إدخال ضمانات لالتزام السلطات القضائية بإخلاء سبيل الموقوفين بحق بعد انقضاء المدّة القصوى للتوقيف (مطر).

ويبقى أن أي إصلاح في هذا المجال يجب أن يترافق مع تمكين السلطات القضائية من الالتزام بكافة المهل القانونية المتعلّقة بالتوقيف الاحتياطي، بما فيها مهل المادة 108. كما تتطلّب أي خطوات إصلاحية في نظام العدالة الجزائية إشراك الجهات الفاعلة والمعنية، ومنها مجلس القضاء الأعلى والقوى الأمنية ونقابتيْ المحامين والهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، إلى جانب مؤسسات المجتمع المدني من مقدمي الخدمات القانونية.                              


[1] Centre for Human Rights, Geneva, Human Pights and Pre-trial Detention – AHandbook of International Standards relating to Pre-trial Detention, United Nations, New York and Geneva 1994,  Paragraph 85.

[2] المرجع السابق, Paragraph 90.