اقتراحا قانون لحماية "الشاهد الصامت" وتخليد ذكرى 4 آب
23/07/2022
من أبرز البنود الواردة على جدول أعمال جلسة مجلس النوّاب المقرّرة في26 تموز 2022، اقتراحا قانون وردا بصيغة المعجّل المكرر ويهدفان إلى حماية إهراءات القمح في مرفأ بيروت من الهدم: الاقتراح الأوّل مُقدّم في 16 حزيران من قبل كتلة الكتائب، والاقتراح الثاني مقدّم في 21 تموز من ثمانية من نوّاب "قوى التغيير" (بولا يعقوبيان، رامي فنج، ياسين ياسين، ميشال الدويهي، فراس حمدان، مارك ضو، ملحم خلف ونجاة عون).
ويلحظ أن نائبيْن من القوّات اللبنانية (جورج عقيص وعماد واكيم) كانا قد أعلنا في 26 نيسان 2022 تقدّمهما باقتراح قانون معجّل مكرر يهدف إلى منع هدم الإهراءات إلى حين صدور القرار الاتّهامي في التحقيق في تفجير المرفأ، من دون منحها حماية كافية على غرار اقتراحيْ الكتائب وقوى التغيير.
خلفية الاقتراحين
جاء الاقتراحان ردّا على قرار مجلس الوزراء في 14 نيسان 2022 بتكليف مجلس الإنماء والإعمار بالإشراف على هدم الإهراءات الذي صدر بذريعة حماية السلامة العامّة من احتمال سقوط الإهراءات. وقد أصدرتْ الحكومة هذا القرار في تجاهلٍ تامّ لاعتراضات العديد من الجهات المدنية، كذوي ضحايا تفجير المرفأ وسكّان الأحياء المحيطة به ونقابة المهندسين في بيروت وأيضا للدراسات العلميّة التي أجمعتْ على استقرار الجزء الجنوبي من الإهراءات. كما لم تولِ الحكومة في معرض قرارها أيّ اهتمام للبحث في الخيارات البديلة عن هدمها، وبخاصّة إمكانية تدعيمها. وقد تمّ تبرير صفة العجلة (قوى التغيير) بوجود "محاولات حثيثة وجديّة لهدم الإهراءات" والتماس "خطر داهم هدفه الحقيقي طَمْس هذه الفاجعة وأيّة معالم تُخلِّدها، مما يَفْرض حماية هذا المبنى والمحافظة عليه بأقصى سرعة مُمكنة." كما يلحظ أنّ الاقتراح الثاني تمّ تقديمه تبعًا لتقاعس السّلطات عن معالجة الحريق المتواصل منذ بداية تموز في الإهراءات نتيجة تخمّر حبوب القمح والذرّة المتبقية والتي كانت وزارة الإقتصاد تعمّدت عدم إزالتها.
وكانت جهات عدة، وتحديدًا مجموعة من 23 من ذوي ضحايا تفجير المرفأ والمفكّرة القانونية ومكتب الادّعاء في نقابة المحامين في بيروت، تصدت لقرار الحكومة من خلال تقديم ثلاث دعاوى قضائية أمام مجلس شورى الدولة في 15 حزيران طالبةً إبطال قرار الحكومة بهدم الإهراءات ووقف تنفيذه. ويُشار إلى أنّ مجلس شورى الدولة لم يبتّ لغاية اليوم بطلبات وقف التنفيذ رغم انقضاء المهلة القانونية لإصدار قراره.
كما أطلقت جهات مدنية عدّة في 4 تموز الحملة التضامنية لحماية الإهراءات بهدف الوقوف في وجه أي قرارٍ يهدف إلى هدم مبنى الإهراءات والتعديل في هوية الموقع المكتسبة بعد الجريمة، وطالبت بالاعتراف بالإهراءات كجزء من التراث الثقافي لبيروت ولبنان، والعمل على حمايتها والمحافظة عليها تكريماً لكافة الضحايا والمتضرّرين وك "شاهد صامت" على التّاريخ ومستقبل لبنان.
مضمون الاقتراحين
يلتقي الاقتراحان مع مطالب الحملة التضامنية لحماية الإهراءات، وتحديداً على ثلاث نقاط أساسية:
1. وجوب حماية إهراءات القمح لتخليد ذكرى تفجير 4 آب:
نصّ الاقتراحان على تصنيف المبنى "معلماً ثقافياً وطنياً" (الكتائب) و"مَعْلَماً للتُّراث الوطني الإنساني" (قوى التغيير) تبعا لاستحالته "شاهداً حياً وخالداً" (قوى التغيير) على تفجير مرفأ بيروت الذي "طبع الذاكرة الجماعية للبنانيين" (الكتائب). وفي حين اكتفى اقتراح قوى التغيير بالنصّ على هذا التصنيف دون توضيح آليّته التنفيذيّة، ذهب اقتراح الكتائب إلى إلزام الحكومة بوضع المراسيم التطبيقية خلال مهلة ستة أشهر، مما يمنح حماية أوسع للإهراءات. وما يزيد من أهمية هذا الأمر هو تقاعس وزير الثقافة محمد وسام مرتضى عن تنفيذ القرار الذي كان أُعلن عنه في 19 آذار بإدراج الإهراءات على لائحة الجرد العامّ للأبنية التاريخية والذي لم يتمّ نشره في الجريدة الرسمية لغاية اليوم.
2. وجوب منع هدم الإهراءات:
ينصّ الاقتراحان صراحة على "منع هدم" الإهراءات، مما يؤدّي عملياً إلى إلغاء قرار الحكومة بالهدم. وتجدر الإشارة إلى أنّ كلا الاقتراحين وضعا كامل الإهراءات التي تتكوّن من قسمين في الوضعية نفسها. وذهب اقتراح الكتائب إلى حدّ منع الهدم سواء كان جزئياً أو كلياً، في حين أن الدراسات تشير إلى أنّ القسميْن باتا تبعا للتفجير في وضعية هندسية مختلفة. فقد أجمعت الدراسات الهندسية (شركة أمان والمهندس ايمانويل دوران وشركة خطيب وعلمي والمهندس د. يحيى تمساج) على أنّ القسم الجنوبيّ من الصوامع مستقرّ، في حين أن القسم الشمالي قد تضرّر بشكل أكبر من التفجير فأصبح غير مستقرّ وقابلاً للانهيار. وهو ما قد يستوجب معالجة مختلفة لهذا القسم قد تتضمن إزالة بعض الصوامع الأكثر تضرّراً.
3. وجوب منع انهيار الإهراءات وتدعيمها:
ينصّ الاقتراحان على وجوب "تدعيم" مبنى الإهراءات، وهو ما يلتقي مع مطالب الحملة التضامنيّة التي أعابتْ على الحكومة عدم إجرائها أيّ دراسة للبحث في تدعيم الإهراءات. وفي هذا الإطار، اعتمد اقتراح "قوى التغيير" صياغة عامّة ومبهمة من دون آليات تطبيقية واضحة حيث نصّ أنّه "يقتضي العمل ... على تدعيم هذا المبنى والمحافظة عليه بالشَّكل الذي بقي فيه بعد الانفجار ومَنْع هَدْمه أو انهياره". وتجدر الإشارة إلى أن هذا الاقتراح أضاف صراحة وجوب العمل لمنع إنهيار الإهراءات. وتجد هذه الإضافة تفسيرها في الدراسات الهندسية التي أشارت إلى عدم استقرار القسم الشمالي من الإهراءات والمخاوف التي عبّر عنها ذوو الضحايا من أن تؤدي النيران المشتعلة داخل الإهراءات إلى انهيارها. أمّا اقتراح الكتائب، فقد جاء أكثر وضوحاً وقابلية للتطبيق، إذّ ميّز بين ضرورة اتّخاذ إجراءات عاجلة لحماية المبنى على المدى القصير من جهة وضرورة تحديد كيفية ضمان استدامته على المدى البعيد. فتضمّن الاقتراح تكليفاً للإدارات العامّة (من دون تحديدها) "بإجراء الأشغال الطارئة اللازمة لتدعيم المبنى" خلال مهلة شهر إلى حين "انتهاء الدراسات المختصة بصيانة المبنى وتنفيذها وضمان استدامتها."
خلاصة:
كلا الاقتراحان يتضمن أفكارا إيجابية للحفاظ على المبنى تخليدا لذكرى 4 آب، الأمر الذي يؤكد ضرورة دمجهما. ومن أبرز الخلاصات:
- التأكيد على تضمين الاقتراح النهائي موجب منع الانهيار، بهدف تحميل الإدارات العامة مسؤولية أي انهيار قد يحصل نتيجة الحريق أو تداعي المبنى من دون تدعيمه.
- بدل إيجاد وضعية جديدة، قد يكون من الأنسب والأبسط تشريعيا وتنظيميا أن يتمّ إدراج الإهراءات صراحة على لائحة جردة الأبنية التاريخيّة ليخضع لنظام هذه الأبنية.