اقتراح استقلالية القضاء يخرج كما هو من دوّامة وزير العدل

المفكرة القانونية

26/04/2023

انشر المقال

أقرّت لجنة الإدارة والعدل في 7/3/2023 صيغة جديدة من اقتراح قانون استقلال القضاء وشفافيته، بعد شهرين من جلسات خصصتها لمناقشة ملاحظات وزير العدل. وكانت المفكرة القانونية انتقدت تركيز اللجنة على ملاحظات هذا الأخير وهي كلها ملاحظات من شأن الأخذ بها أن يفرغ الاقتراح من ضمانات هامة لاستقلالية القضاء، من دون إيلاء أي اهتمام لملاحظات ائتلاف استقلال القضاء أو ملاحظات لجنة البندقية التي هدفت على العكس من ذلك تماما، إلى تصحيح الثغرات الواردة فيه لجهة ضمان استقلالية القضاء وفق المعايير المعتمدة دوليا. 

وبالتّدقيق في هذه الصيغة، نلحظ أنّها تقارب إلى حدّ التطابق صيغة الاقتراح كما كانت أقرتها هذه اللجنة في تاريخ 21/12/2021 مع إدخال بعض التعديلات الطفيفة عليها. بمعنى أن اللجنة بقيت عند مواقفها السابقة من دون التفاعل مع أي الملاحظات الواردة على عملها، وأهمها ملاحظات ائتلاف استقلال القضاء ولجنة البندقية.  

هذا الأمر يستدعي الملاحظات الآتية: 

  • اللجنة تتجاهل النقاشات الحاصلة فيها على مدار شهرين

عقدت اللجنة ابتداء من 3/1/2023 حتى إقرار الاقتراح في صيغته الجديدة قرابة 10 جلسات، خصصت كلها كما تقدم لمناقشة ملاحظات وزير العدل. ورغم حصول مناقشات وأحيانا توافقات، فإن رئيس اللجنة تمسّك بالتعامل معها على أنها عصف ذهني من دون إخضاع أي من النقاشات للتصويت. وعليه، لم تجد هذه النقاشات، الجيدة منها كما السيئة، أي صدى في الصيغة الجديدة للاقتراح، وإن تطرّق تقرير اللجنة إلى بعض منها، وبخاصة لكيفية تكوين مجلس القضاء الأعلى وفق ما نبينه أدناه.  

  • اقتراح يجافي معايير استقلالية القضاء 

كما سبق بيانه، لم تشِر اللجنة من قريب أو بعيد إلى ملاحظات ائتلاف استقلال القضاء أو ملاحظات لجنة البندقية وهي الملاحظات التي هدفت إلى تصحيح اقتراح القانون في اتجاه جعله منسجما مع معايير استقلالية القضاء. وعليه، تكون اللجنة قد أضاعت سنة ونصف إضافية من دون إحراز أي تقدّم في العملية التشريعية، وهي مدّة تُضاف للمدّة التي استغرقتها اللجنة سابقا في درس الاقتراح المقدم في أيلول 2018. 

وعليه، يبقى الاقتراح قاصرًا عن مراعاة معايير استقلاليّة القضاء من وجهة نظر ائتلاف استقلال القضاء ولجنة البندقيّة. ونكتفي هنا في ظلّ استعادة صيغة الاقتراح المعتمدة في كانون الأول 2021 مع تعديلات طفيفة، بالإحالة إلى ملاحظات هذين المرجعين.      

  • التمهيد لعرض خيارات مختلفة في تكوين مجلس القضاء الأعلى 

بقي أن ننبّه إلى خطورة ما ورد في تقرير لجنة الإدارة والعدل بخاصة بما يتّصل بتكوين مجلس القضاء الأعلى. فقد ورد في التقرير أن أعضاء اللجنة طرحوا وجهات نظر مغايرة لما ورد في الاقتراح لجهة انتخاب 7 من أعضاء المجلس من قبل القضاة، الأمر الذي من شأنه أن يمهّد لعرض هذه الخيارات مجدّدا أمام الهيئة العامّة. وتشير وجهات النظر هذه إلى ثلاثة احتمالات: 

  • الأول يقضي بانتخاب جميع أعضاء المجلس الأعلى للقضاء وعددهم 10.
  • الثاني يقضي بزيادة عدد الأعضاء الحكميين بحيث يُضم إلى الرئيس الأول لمحكمة التمييز والمدعي العام لدى محكمة التمييز ورئيس التفتيش القضائي، رئيس معهد الدروس القضائية أو المدعي العام المالي، ليصبح عدد الأعضاء الحكميين أربعة والمنتخبين ستة أعضاء بدل سبعة. ويؤدي هذا الاقتراح في حال الأخذ به إلى ضمان تعيين قاضٍ حكمي تعينه السلطة التنفيذية من الطائفة الشيعية، وذلك بنتيجة تطييف هذين المركزين خلافا للمادة 95 من الدستور. وأكثر ما يُخشى هو أن يقترن تعيين هذا العضو الحكمي مع حرمان الفئات الشابة (القضاة المنفردين) من تمثيلها بعضو منتخب منها، على نحو يؤدي إلى خطر زيادة هامش السلطة السياسية في التحكم في عضوية المجلس في موازاة إضعاف التيار الاستقلالي داخل القضاء فيه.   
  • الثالث ورد من المجلس الأعلى للقضاء، ومفاده أن يخفض عدد القضاة المنتخبين من سبعة إلى خمسة أعضاء كلهم رؤساء غرف، على أن يعين عضوان من القضاة الحكميين والمنتخبين. وفق هذا الاقتراح، يصبح مجلس القضاء الأعلى مكوّنا من 3 أعضاء حكميين و5 منتخبين وإثنين معينين من قبل القضاة الحكميين والمنتخبين، بما يضمن التوازن في تمثيل الفئات المختلفة. وخطورة الأخذ بهذا الاقتراح تكمن في أنه يحصر حقّ الترشّح لمجلس القضاء الأعلى برؤساء غرف التمييز والاستئناف والبداية من دون أن يكون هنالك أيّ تمثيليّة للفئات الشابة من القضاة. ومن شأن هذا الأمر أن يزيد من قدرة السلطة السياسية التحكم في عضوية المجلس بفعل هيمنتها على المراكز العليا في القضاء ومنها رئاسات الغرف وأن يشكّل تاليا عامل إضعاف لاستقلالية مجلس القضاء الأعلى.