اقتراح بإخضاع الطوائف للضرائب: من أجل أن تشارك الطوائف في الأعباء العامة
08/09/2023
تقدّم النائب بلال عبدالله بتاريخ 5 أيلول 2023 باقتراح قانون معجل مكرّر يقضي بإلغاء القانون رقم 210 الصادر في 26 أيار 2000 والذي تمّّ بموجبه إعفاء الطوائف المعترف بها في لبنان من الضرائب والرسوم.
وكان البرلمان قد أقرّ في 2000 هذا القانون الذي ينصّ على أن تستفيد كل طائفة معترف بها قانوناً وكل شخص معنوي ينتمي إليها بحكم القانون، قبل صدور هذا القانون، من الإعفاء من جميع الضرائب المباشرة وغير المباشرة والرّسوم والعلاوات التي تستفيد منها قانوناً المؤسسات العامة[1]. وقد استهدف هذا الاستثناء بشكل خاصّ الطوائف المسيحية أسوة بالطوائف الإسلامية على أساس أن هذه الأخيرة والأشخاص المعنويّين التابعين لها تعتبر من المؤسسات العامّة منذ عام 1921 بموجب القرار 753 الصادر في 2 آذار 1921 والذي اعتبرها إدارة رسمية عامة ووضع لها أنظمة خاصة لإدارتها والرقابة عليها مما يعفيها كليّاً من التكليف المالي. وقد تعزّزت هذه الصفة في قراريْ مجلس شورى الدولة رقميْ 522 تاريخ 9/11/1955 و399 تاريخ 18/6/1956 حيث جاء: ""وحيث أنّ الاستقلال الإداري والمالي الذي تتمتع به إدارة الإفتاء والأوقاف لا يزيل عنها الصفة الإدارية الرسمية العامة بل يجعلها من المؤسسات العامة التي ليست في الواقع إلا إدارات فصلت عن مصالح الدولة لتعطي استقلالا إداريا ملحوظا خارج الدولة وتمنح الشخصية المعنوية تأمينا لهذا الاستقلال فيكون لها ميزانية خاصة وممتلكات مستقلة وحق التقاضي لدى المحاكم"[2].
وبالعودة إلى النصوص القانونية يتبيّن أنّ سبب الإعفاء الضريبي للطوائف تاريخي أكثر منه قانوني. فقد كانت وزارة الأوقاف من وزارات الدولة العثمانية ما يفسّر إعفاءها من الضرائب. ومع مجيء الانتداب الفرنسي، اعتبرت الأوقاف إدارة عامة تؤمّن منفعة عامة ووضع لها أنظمة خاصة لإدارتها والرقابة عليها وذلك لعدم تعكير صفو الإنتداب عبر إغضاب السلطات الدينية الإسلامية وتغيير وضعها القانوني. وقد وضع لها نظام مشابه للمؤسسات العامة لناحية الاستقلالية في حين أن معيار المرفق العام والمنفعة العامة المرتبطة به أصبحا موضوع جدل وهو المعيار الذي يبرّر عادة الإعفاء الضريبي. أما الطوائف المسيحية فقد استفادت حتى قبل وصول الانتداب من إعفاءات سرعان ما اتسع نطاقها مع وصول الانتداب ثم الاستقلال تحت حجة المساواة بين الطوائف بلغت أوسع نطاق لها مع إقرار القانون 210/2000.)
وقد استند الاقتراح بإلغاء الاستثناء في أسبابه الموجبة إلى جملة من الاعتبارات أهمّها ضرورة احترام مبدأ المساواة عبر إخضاع الجميع إلى ضريبة الدخل. كما أكّد الاقتراح أنّ هذا الإعفاء هو في الحقيقة استثناء يتمّ تطبيقه منذ أكثر من عشرين سنة "وهي مدة طويلة لأحكام استثنائية" هذا فضلا عن أن هذا الاستثناء "يجافي العدالة" علما أن الطوائف والأشخاص المعنويين التابعين لها "لا يمكن اعتبارها من أشخاص القانون العام أو أنها تعود بالمنفعة على المواطنين كالمؤسسات العامة" لذلك لا يجب معاملتها كالمؤسسات العامة وإعفاؤها من الضرائب.
وتجدر الإشارة هنا أن اقتراحا مشابها سبق وأن قدمه النائب بلال عبدالله وأُدرج جدول أعمال مجلس النواب سنة 2020 من دون أن تتم مناقشته. وهذا ما دفع النائب بلال عبدالله إلى التقدم بالاقتراح الحالي مجددا.
إن هذا الاقتراح يستوجب الملاحظات التالية:
الإعفاء من الضرائب ليس موجبا دستوريا
ينصّ الدستور اللبناني في المادة التاسعة منه على ضرورة احترام الأحوال الشخصية للطوائف. لكنه في الوقت نفسه لا يستحدث سلطات طائفية ولا هو أصلا يعدّد الطوائف المعترف بها في لبنان. فالاعتراف بالطوائف والسلطات التي تتولى إدارة مصالح هذه الأخيرة هو أمر تركه الدستور للسلطة التشريعية التي يعود لها الاعتراف بالطوائف ووضع التشريعات التي تنظّم محاكمها وأوقافها والسلطات التي تمثلها لكن من دون التعرّض لاستقلاليّتها في إدارة شؤونها، الأمر الذي يعني أن إخضاع الطوائف والمؤسسات التابعة لها للضرائب والرسوم أمر لا يتّصل أبدا بالاستقلالية التنظيمية للطوائف، بل بل إن إبقاء على الإعفاء يشكل انتهاكا للدستور خاصة إذا كان الإعفاء لا يمكن تبريره بتأدية خدمة عامة مثل سائر المؤسسات العامة التابعة للدولة.
خطوة ضرورية مطلوب تعميمها على سائر الأوقاف والطوائف عملا بالمساواة
تمّ تبرير الإعفاء في سنة 2000 كما سبق بيانه إلى تأمين المساواة بين الطوائف المسيحية والإسلامية في هذا المجال. وهذا ما ورد صراحة في الأسباب الموجبة لهذا القانون. إلا أنّ ما فات المشرّع آنذاك أن مبدأ المساواة لا ينحصر في العلاقة بين الطوائف، إنما هو يشمل مجمل المكلفين في الضريبة والذين يفترض أن يشتركوا في تحمّل الأعباء العامة على قدم المساواة.
وعليه، وإذ أصاب الاقتراح في الدعوة إلى إلغاء الامتياز (الإعفاء) الضريبي للأوقاف المسيحية عملا بمبدأ المساواة بين المكلفين في تحمّل الأعباء العامة، فإنه أخطأ في المقابل في إبقاء الأوقاف الإسلامية مستفيدة من هذا الإعفاء من منطلق كونها مؤسسات عامة.
بكلمة أخرى، لا تتحقّق المساواة بين الطوائف عبر إعفاء الطوائف المسيحية كي تصبح مثل الطوائف الاسلامية، بل عبر إخضاع الطوائف المسيحية والإسلامية للضرائب والرسوم عملا بمبدأ المساواة أمام الأعباء العامة.
إلغاء الإعفاء ضرورة اجتماعية
بقي أن نذكر أن إلغاء إعفاء الأوقاف والطوائف المختلفة بات ضرورة في ظلّ الانهيار الاقتصادي الذي يعيشه لبنان، والذي يفرض رفد خزينة الدولة بالموارد الممكنة. ولا شك أن المؤسسات الطائفية وأملاكها الواسعة يمكن أن تساهم كسائر المواطنين في تأدية الضرائب والرسوم عملا بمبدأ المساواة خاصة إذا كانت تلك المؤسسات تقوم بنشاط اقتصادي مربح.
للاطلاع على اقتراح القانون يمكنكم الضغط هنا
[1] وقد حدد قرار وزير المالية رقم 1719 الصادر في 24 تشرين الثاني 2000 الضرائب والرسوم التي تعفى منها الطوائف والأشخاص المعنويين المنتمين إليها وعددها وفقا للتالي:الضريبة على أرباح المهن الصناعية والتجارية وغير التجارية، ضريبة الأملاك المبنية، الرسوم الجمركية والمالية والبلدية والمرفئية والهبات، رسم الطابع المالي، رسوم الإنشاءات، الرسوم القضائية، الرسم على القيمة التأجيرية، الضريبة على القيمة المضافة.
[2] وسام اللحام، لبنان دولة مدنية: حقيقة دستورية، دار سائر المشرق، بيروت، 2023، ص. 71.