اقتراح شامل روكز حول حظر التنازل عن سندات اليوروبوند (جلسة تشريعية نيسان 2020)

المفكرة القانونية

18/04/2020

انشر المقال

أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري عن انعقاد جلسة تشريعية أيام 21 و22 و23 نيسان في قصر الأونيسكو. وتأتي الجلسة في أجواء استثنائية حيث قادت التدابير المفروضة في ظل مكافحة جائحة كورونا إلى إغلاق تام ومنع التجمّعات. على جدول أعمال الجلسة المرتقبة 66 بنداً، تحاول "المفكرة" من باب رصدها لأعمال البرلمان، أن تبرز أهمية أو خطورة عدد من هذه البنود. هنا نتناول اقتراح قانون معجل مكرر قدمه النائب شامل روكز ويتصل بحظر التنازل عن سندات اليوروبوند (المحرر).  

من أبرز القوانين المقترحة المدرجة على جدول أعمال المجلس النيابي لجلسة نيسان 2020 التشريعية هو اقتراح حظر التنازل مؤقتاً عن سندات اليوروبوند بالعملة الأجنبية لجهات أجنبية. يأتي هذا الاقتراح الذي قدمه النائب شامل روكز (وهو نائب أعلن انشقاقه عن كتلة لبنان القوي) رداً على التقارير المتداولة التي تشير إلى أن العديد من المصارف المحلية قد تنازلت عن قسم كبير من سندات اليوروبوند التي كانت بحوزتها لجهات أجنبية وتحديداً لصناديق شرسة (vulture funds) قائمة على انتهاج استراتيجية إستثمارية إستغلالية. إذ تسعى هذه الصناديق إلى شراء سندات الدول المتعثرة بأسعار بخسة كي تحصل على نسبة كافية منها مما يمنحها حق "الفيتو" على اقتراحات إعادة الهيكلة، ومن ثم تقوم فعلياً بابتزاز الدولة المعنية بهدف انتزاع أرباح فاحشة. فهذه التنازلات إنما تهدد سيادة الدولة وتجعلها عُرضة لهيمنة الدائنين الخارجيين، بتواطؤ كما يبدو من المصارف الداخلية.

نقدم هنا بعض الملاحظات حول القانون المقترح، الذي نتفهم وندعم مغزاه إلا أننا نرى أنه محدود الفعالية ومن المرجح ألا يؤتي أغراضه.

أولا، نرى أن الحظر المقترح لن يكون فعّالاً في تضييق نطاق مسؤولية الدولة لدائنيها. فعقود اليوروبوند إجمالاً تتضمن بنداً يحدد القانون الحاكم للعقد (governing law)، الذي عادةً يكون إما القانون الانكليزي أو قانون ولاية نيو يورك، أي أن الدولة قد التزمت مسبقاً بأن تخضع مسؤولياتها الناجمة عن السندات (private liabilities) لأحكام القانون الحاكم للعقد. ويترتب على ذلك أن أي تنازل عن السندات لجهات أجنبية سوف يكون ساري المفعول رغم الحظر الموضوع في القانون اللبناني طالما أن عملية التنازل كانت متوافقة مع متطلبات القانون الحاكم وبنود العقد ذاته. وبالتالي يحق لحاملي السندات الأجانب أن يتقاضوا أمام المحاكم الأجنبية بصرف النظر عن كون الصفقة محظورة في القانون اللبناني.

ثانياً، وقياساً عليه، لن تكون محاولة فرض المسؤولية الحصرية عن تسديد الدين على الشخص المتنازل فعّالة، فالقانون الحاكم للعقد يبقى هو القانون الأجنبي الذي لا يرى خللاً في التنازل وبالتالي يفرض مسؤولية التسديد على الدولة التي أصدرت السندات.

ثالثاً، نرى أن "الحظر المطلق" على تجاوز نسبة ملكية الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين غير اللبنانيين لسندات اليوروبوند نسبة 40٪ لن يكون له مفعول قانوني كونه غير قابل للتنفيذ على أرض الواقع. فليس للحظر أي واجب مقابِل محدد (correlative duty) أو أية آلية لضمان عدم تجاوز هذه النسبة، إذ من المرجح أن يكون هناك آلاف الحاملين للسندات وآلاف المعاملات التي بالتراكم تنتج النسبة المحظورة من الملكية الأجنبية، وبالتالي لا نستطيع أن نحدد على من وقعت مسؤولية تجاوز هذه النسبة.

ورابعاً، نلفت النظر إلى سابقة قضية الارجنتين أمام محاكم نيو يورك (pari passu case)، حيث وضعت الدولة تشريعاً يحظر تسديد الديون لحاملي السندات من الصناديق الشرسة التي تعمدت عرقلة عملية إعادة الهيكلة، واعتبرت المحكمة هذا التشريع دليلاً على سوء نية من قبل الحكومة، ما ساهم في الحكم عليها لصالح الدائنين. باعتقادنا، يمكن التمييز بين الحالة الأرجنتينية آنذاك واقتراح حظر التنازل اللبناني، إذ أن التشريع الارجنتيني اعتُبرَ تدخلاً بحقوق ملكية كانت قائمة أصلا، بينما الاقتراح اللبناني يرمي بالأساس إلى منع وقوع السندات في أيدي دائنين خارجيين - وبالتالي منع تبلور حقوق الملكية الخاصة لدى هؤلاء - إلا أننا رغم ذلك يجب أن نحذر من هذه المخاطر القانونية غير المتوقعة.

يبقى أن نلاحظ أمرين:

الأول، أن الإشكال الأكبر في هذا الإقتراح أنه يعالج المشكلة من أحد ذيولها من دون مراجعة أساسها وهو أن مدراء المصارف ما يزالون يتحكمون بإدارتها وبالتصرف بأموالها، رغم توقف هذه المصارف عن الدفع.

الثاني، أن وحده الحظر الجزائي على التنازل عن اليوروبوند إلى جهات أجنبية قد يشكل رادعاً لهذه الممارسات التي تشكل خطراً جسيماً على سيادة الدولة. وعليه، يجب أن يتم التشديد على العقاب الجزائي وتسنيده بعقوبة مالية واضحة بغية القضاء على الحافز المادي لهذه المعاملات. إلا أنه يخشى أن يصطدم هذا الجانب أيضا بإخفاق القضاء عن التصدي لتعسّف المصارف.