اقتراح قانون بإلغاء الطوابع المالية: معالجة مرحلية لأزمة دائمة
25/03/2024
تقدم النائب بلا عبدالله باقتراح قانون معجل مكرر بتاريخ 20 آذار 2024 يقضي بإلغاء رسم الطابع المالي على جميع المعاملات من دون أن يستعاض عنه بأيّ إجراء آخر بحيث يمكن للمواطنين استصدار تلك المعاملات من الإدارات العامة من دون الحاجة لاستخدام الطوابع المالية "وذلك طيلة العام 2024" على أن يستمر استيفاء رسم الطابع المالي على الفواتير "التي يتم احتساب قيمته ضمن مجموع قيمة الفاتورة ولا تعتمد لصق طابع على الفاتورة".
وقد شرحت الأسباب الموجبة أن "السلطة التنفيذية عاجزة عن تأمين هذه الطوابع إلا بنسبة قليلة لا تفي جزءًا يسيرًا من حاجة المواطنين لها لإنجاز معاملاتهم وأوراقهم التي تتطلّب لصق الطابع" ما زاد من معاناة هؤلاء الذين باتوا "يرزحون تحت وطأة السماسرة" في ظلّ شحّ الطوابع وفقدانها وفشل الحكومة في إيجاد حلول لهذه المعضلة. وتضيف الأسباب الموجبة أنّ واجب نواب الأمة "حماية المواطن وتأمين مصالحه" لا سيما وأن ما يتكبده "المواطنون يفوق بأضعاف وأضعاف ما تستوفيه الخزينة العامة من عائدات رسم الطوابع المالية" هذا فضلا عن أن الإدارات العامة قد "ابتدعت حلولا لم ينص عليها القانون كاللجوء إلى تكليف المواطنين تسديد قيمة رسم الطابع المالي عبر شركات نقل الأموال، وبالتالي إخضاع المواطنين إلى ممارسات تعسفية من قبل هذه الشركات" لذلك كان لا بد من الغاء الطوابع المالية الورقية.
إن هذا الاقتراح يستوجب الملاحظات التالية:
لمحة تاريخية لا بد منها عن الطوابع المالية
ورث لبنان نظام الطوابع المالية من السلطنة العثمانية التي أدخلت التمييز بين الرسم المقطوع والرسم النسبي وفقا لنوع المعاملة والطرق المختلفة لتأدية هذه الرسوم عبر إلصاق الطوابع الورقية أو عبر ختم خاص يعرف بالتمغة. فقد نصت المادة التاسعة من "قانون رسم التمغة" (أي رسم الطابع المالي اليوم) الصادر سنة 1884 على التالي: "إن إيفاء رسم التمغة واستيفاءه على وجهيْن: الأول بتأدية الرسم المعين وتمغ الورقة، والثاني بإلصاق "بول" (أي طابع) التمغة على الورقة".
وقد ورث لبنان هذا النظام الذي بات من الوسائل المألوفة التي تعمد بها الدولة إلى رفد الخزينة العامة بموارد إضافيّة نتيجة نشاطها الإداري إذ استعاد المرسوم الاشتراعي رقم 130 تاريخ 20/12/1933 (فرض رسم الطوابع) أحكام القوانين العثمانية لا سيما قانون 6 شباط 1906 الذي عدل قانون رسم التمغة القديم ونص في مادته الثالثة على أن تأدية الطابع المالي تتم إما بإلصاق الطوابع أو وضع وسمة خاصة على المستند أو عبر إعطاء وصل. وقد كرست المادة الرابعة من المرسوم الاشتراعي المذكور هذه الوسائل نفسها لتأدية رسم الطابع المالي (لصق طوابع، وضع وسمة استثنائية، إعطاء وصل).
وفي 5 آب 1967 صدر المرسوم الاشتراعي رقم 67 (رسم الطابع المالي) الذي ألغى المرسوم الاشتراعي رقم 130 ونصّ على أحكام جديدة ومتكاملة وهو النصّ النافذ اليوم. وقد كرس هذا المرسوم الاشتراعي الطرق المعهودة لتأدية رسم الطابع المالي إما عبر إلصاق طابع ورقيّ أو عبر الدمغ والتأشير أو عبر الاستيفاء النقدي. لكن الملاحظ أن المادة 20 تفترض أن لصق الطوابع هي الوسيلة العادية لتأدية هذا الرسم بينما الدمغ أو الدفع النقديّ هما طرق استثنائية لا يجوز استخدامهما إلا من ضمن شروط خاصة لا سيما وأن الدمغ يتمّ عبر آلات واسمة تستخدمها المؤسسات الخاصة بعد حصولها على ترخيص بذلك من مدير المالية العام. ويحدّد المرسوم الاشتراعي بشكل مفصّل مواصفات هذه الآلة وكيفية استخدامها إذ يمنع اعتمادها إلا للرسم المقطوع وعلى أورق تحمل اسم المؤسسة وعنوانها كذلك يمنع استخدامها من قبل مؤسسة ثبت أنها تهربت أو حاولت التهرب من دفع أي ضريبة[1].
ولا بد من التذكير أن لبنان خلال الحرب عرف بين آذار 1976 وحزيران 1977 أزمة طوابع مالية مشابهة بسبب نفاذ الطوابع ومن ثم سرقتها، ما حدا بوزارة المالية لإلغائها فاضطرت الإدارات العامة المختصة إلى استيفاء الرسم نقدا.
اقتراح يعترف بعجز السلطة التنفيذية
شرحت وزارة المالية في كتاب وجّهته بتاريخ 5 آذار 2024 أنّ أزمة الطوابع المالية تعود لثلاثة أسباب: طبع كميات من الطوابع أقلّ بكثير من حاجة السوق[2]، احتكار البعض سوق الطوابع المالية، عدم بيع الطوابع من قبل المرخّص لهم بذلك بالسعر الرسمي وفي محلات البيع التابعة لهم.
والمُستغرب أن وزارة المالية لم تستخدم صلاحياتها القانونية لقمع تلك المخالفات إذ تنص المادة 71 من المرسوم الاشتراعي رقم 67 على التالي: "يفرض على كل من يبيع الطوابع المالية بأسعار تزيد عن قيمتها الاسمية المدونة عليها، غرامة قدرها مايتين وخمسين ألف ليرة لبنانية غير قابلة للتسوية، مع سحب إجازة البيع المعطاة له إذا كان مجازا". بينما تضيف المادة 72 أن الذي يبيع الطوابع المالية من دون ترخيص يتعرض لغرامة قدرها 250000 ليرة على أن تصادر الطوابع الموضوعة برسم البيع و"لوزير المالية أن يقرر اقفال المحل، عندما تحصل المخالفة في محل غير مجاز، لمدة تتراوح بين ثلاثة أيام وشهر واحد إذا تكررت المخالفة في غضون ثلاث سنوات".
ولا شكّ أن قيمة الغرامة لم تعدْ رادعة في ظلّ انهيار الليرة اللبنانية ما كان يوجب على الاقتراح رفعها بشكل يتناسب مع خطورة المخالفة. فالاقتراح يكتفي بإلغاء الطوابع المالية الورقية كونه يعترف ضمنيا أن الحكومة عاجزة ليس فقط عن طبع طوابع مالية بالكميات الضرورية، لكن أيضا بأنها لا تستطيع أو لا تريد محاربة الاحتكار عبر ممارسة وزارة المالية لصلاحياتها في هذا المجال.
فالاقتراح الحالي هو في الحقيقة بالغ الدلالة لفهم طبيعة عمل السلطة السياسية اليوم إذ إن الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة لعمل الإدارة (كطبع وتوزيع الطوابع المالية) هو من الواجبات البديهية التي تقع على السلطة التنفيذية وليس على السلطة التشريعية. لكن تعطيل إدارات الدولة بسبب الانهيار الاقتصادي وأداء السلطة السياسية جعل الحلّ التشريعي هو المخرج الوحيد لمعالجة نتائج الأزمة وليس أسبابها. فالاقتراح الحالي يطالب بتخفيف الأعباء على المواطنين عبر تعليق العمل بالقانون بينما يستمرّ المحتكرون من دون عقاب، ومن دون محاسبة وزارة المالية ومطالبتها بممارسة صلاحياتها القانونية كون مواجهة شبكة الاحتكار قد تؤدي إلى المساس بالمصالح السياسية التي تحميها.
ويتجلى عجز وزارة المالية أيضا في عدم تنفيذ المادة 46 من قانون الموازنة العامة لعام 2022 التي أنشأت الطابع المالي الإلكتروني (E-Stamp)، الذي يتمّ الحصول عليه بموجب آلات خاصة وذلك بسبب عدم توفر الاعتمادات اللازمة للمباشرة به وتطبيقه من قبل الوزارة،، ما يعكس مجددا الانفصام ما بين التشريع والتنفيذ.
اقتراح مؤقت لأزمة دائمة
ينص الاقتراح على إلغاء رسم الطابع المالي خلال سنة 2024 فقط، ما يفهم منه أنه تشريع استثنائي يعمل به فقط طوال السنة الحالية على أن تصبح الطوابع المالية الورقية ضرورية مجددا لمعاملات المواطنين في السنة القادمة، علما أنّ لا شيء يشي بمعالجة أسباب الأزمة خلال هذه المرحلة الانتقالية، ما يعني أن الأزمة ستجدّد حتما الأمر الذي يوجب مستقبلا إقرار قانون جديد ينص أيضا على أحكام استثنائية بخصوص الطوابع المالية الورقية.
وهكذا يتبين أن الحلّ التشريعي في هذه الحالة لا يتّسم بالديمومة بل هو في الحقيقة اعتباطي كونه يحرم الخزينة العامة من إيرادات مالية مهمة من دون توفير البديل، لا بل أن الاقتراح لا يعطي تقديرات للمبالغ التي ستخسرها الدولة جرّاء إلغاء رسم الطابع المالي وتداعيات ذلك على الإدارات العامة.
من جهة أخرى، لا يشرح الاقتراح لماذا تم إلغاء رسم الطابع المالي بمجمله بينما المشكلة تتعلق أساسًا بالطوابع الورقية. فالمادة 46 من موازنة عام 2022 نصّت على طرق جديدة لتأدية هذا الرسم بحيث أصبح إلصاق الطوابع ينحصر على المعاملات التي لا تتجاوز قيمة رسم الطابع المالي الواجبة 500000 ليرة بينما يمكن تأدية الرسم بطرق جديدة هي: نقدا أو بموجب شك مصرفي لدى كتاب العدل عن الصكوك التي ينظمونها أو يصادقون عليها، نقدا أو بموجب شكّ مصرفي في صناديق المالية إذا تجاوزت قيمة الرسم 500000 ليرة بموجب أوامر قبض، بموجب إشعارات تسديد يتم اعتمادها من جانب وزارة المالية.
فإذا كان بالإمكان التسليم بإلغاء الطوابع الورقية لعدم توفرها، لماذا يتم إلغاء رسم الطابع المالي في كل الأحوال الأخرى لا سيما آلات الوسم على الرغم من وجودها في أغلب الإدارات (علما أنها معطلة بسبب عدم تعبئتها من وزارة المالية[3])، هذا فضلا عن أن الاستثناء الذي يذكره الاقتراح لا يحدد بوضوح إذا كان يشمل جميع طرق تأدية رسم الطابع المالي المحددة في المادة 46 من موازنة 2022.
خلاصة القول، إن الاقتراح الحالي يعبر عن تعطل آلية الحكم في لبنان وفشل السلطة التنفيذية في تأدية أبسط واجباتها القانونية لتأمين العمل المنتظم للإدارة، وهو يعكس أيضا حلول النواب مكان الحكومة لمعالجة عوارض الأزمات فقط عبر تشريعات استثنائية الغاية منها تعليق القانون. فبدل أن يكمن الحل في تفعيل الدولة يصبح عملا بالاقتراح في الحد من دورها وتكريس انسحابها وغيابها المتزايد.
[1] لا بد من التذكير أن وزير المالية لم يسمح باستخدام الآلات الواسمة إلا في 19 كانون الأول 1983.
[2] أشارت الوزارة في كتابها أن حاجة السوق هي حوالي 17 مليون طابع شهريا بينما بين 2022 و2023 تم توزيع حوالي 2 مليون طابع شهريا فقط.
[3] أعلنت وزارة المالية في كتابها إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء أنها وضعت آلات وسم في 18 صندوق لوزارة المالية علما أنها أضافت أن اعتماد هذه الآلات في كافة الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات هو من الحلول المطروحة.