اقتراح قانون بطبع أوراق نقد تصل إلى 5 ملايين ليرة: حين يستنجد الانهيار بالمطبعة

وسام اللحام

28/10/2022

انشر المقال

تقدّم النائب زياد حواط باقتراح قانون معجل مكرر يهدف إلى تعديل قانون النقد والتسليف من أجل السماح لمصرف لبنان بإصدار أوراق نقدية من فئات تفوق المئة ألف ليرة وهي أعلى فئة يمكن لمصرف لبنان وضعها في التداول عملا بالمادة الخامسة الحالية من قانون النقد والتسليف الموضوع موضع التنفيذ بموجب المرسوم رقم 13513 الصادر في 1/8/1963.

ويهدف هذا الاقتراح إلى حلّ الجانب التقني من أزمة التضخم وانهيار سعر صرف الليرة اللبنانية عبر ايجاد حلّ عملاني يقضي بتمكين مصرف لبنان من وضع أوراق نقد جديدة في التداول من الفئات التالية: 500 الف ليرة، مليون ليرة، مليوني ليرة، خمسة ملايين ليرة.

فمع الانخفاض الحادّ والمتسارع في قيمة الليرة اللبنانية واعتماد مصرف لبنان على سياسة قوامها تغطية الخسائر عبر ضخّ كمية متعاظمة من النقد في السوق، بات هذا الأخير يلجأ إلى طبع المزيد من الليرات وما يرافق ذلك من تكبّد نققات إضافية كون طبع العملة اللبنانية يتمّ في شركات أجنبية تملك التقنيات الحرفية العالية ضد التزوير[1].

ولا بد من التذكير هنا أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها تعديل قانون النقد والتسليف من أجل السماح لمصرف لبنان بوضع فئات أعلى في التداول إذ سبق لمجلس النواب أن أجاز بموجب القانون رقم 43 الصادر في 21 تشرين الثاني 1987 بإصدار أوراق نقدية من فئتي الخمسمائة ليرة والألف ليرة نظرا لانهيار القوة الشرائية لليرة اللبنانية في الثمانينات مع الإشارة أن أعلى فئة كان يمكن لمصرف لبنان وضعها بالتداول قبل 1987 كانت 250 ليرة، علما أن استمرار تدهور سعر صرف الليرة حتّم تعديل المادة الخامسة من قانون النقد والتسليف مجددا وذلك بموجب القانون رقم 178 الصادر في 22 كانون الأول 1992 والذي أجاز لمصرف لبنان ولأول مرة إصدار أوراق نقدية من فئات: خمسة آلاف، عشرة آلاف، عشرون ألفا، خمسون ألفا ومئة ألف ليرة.

ولا شك أن ذهاب الاقتراح إلى حد السماح بإصدار أوراق نقدية تصل إلى فئة خمسة ملايين ليرة يعكس المنحى التضحمي المتفاقم للعملة الوطنية وهو يشي بأن الأزمة الاقتصادية لن تجد حلا لها في المستقبل القريب بل هي مرشحة للاشتداد دون اتخاذ أي خطوة فعلية تسمح بالحدّ من تداعياتها والسيطرة عليها حماية للمجتمع. فالاقتراح الحالي هو إقرار بعجز السلطة السياسية الذي بات يقتصر دورها على مراقبة التدهور المستمر لليرة اللبنانية واستخلاص نتائج هذا الواقع عبر تبني حل تقني يقضي بوضع أوراق نقدية من فئات أعلى في التداول.

ولا يكتفي هذا الاقتراح برفع قيمة الفئات الورقية بل هو يسمح أيضا بإصدار قطع معدنية جديدة من فئات الألف والخمسة آلاف والعشرة آلاف والعشرين ألف ليرة بعدما كانت أعلى فئة لقطعة معدنية موضوعة في التداول هي بقيمة 500 ليرة علما أن هذه الأخيرة اختفت عمليا من السوق ليس فقط نظرا لقيمتها الشرائية الزهيدة جدا، بل أيضا لأن قيمتها الذاتية باتت كما يبدو أعلى من قيمتها الإسمية أي أن كلفة سكها وكلفة المعدن المصنوعة منه باتا أهم من قوتها الشرائية.

ومن المفيد التنبيه أن هذا الاقتراح يجيز لمصرف لبنان إصدار هذه الفئات اختياريا إذ انه لا يلزمه بإصدارها دفعة واحدة بل يحق لهذا الأخير مثلا الاكتفاء بطباعة فئة المليون الليرة في حال رأى أن وضع فئات أعلى في التداول لا حاجة له أو دونه محاذير تتعلق بمفاقمة التضخم، في الوقت الحاضر.

ويعمد الاقتراح أيضا إلى إلغاء المادة الثالثة من قانون النقد والتسليف التي تنص على التالي: "تقسم الليرة إلى مئة جزء متساو يسمى قرشا . والاختصار الرسمي للقرش اللبناني هو ق.ل. ويقسم القرش إلى مئة جزء متساو يسمى سنتيما".

وإذا كان من المسلم به أن القروش والسنتيمات خرجت من التداول منذ زمن بعيد وأنها فقدت اليوم أي جدوى اقتصادية لها، لكن ذلك لا يبرر إلغاء المادة الثالثة كون انقسام أي عملة في العالم إلى فئات كسرية ما دون الوحدة النقدية هو من المبادئ المتبعة والضرورية كي يحوز النقد الوطني على مواصفاته كاملة. وقد ورث لبنان انقسام ليرته إلى مائة قرش عن السلطنة العثمانية التي كانت ليرتها أيضا تقسم إلى مائة قرش. واستمر هذا الوضع خلال الانتداب الفرنسي إذ جرى أيضا بموجب قرار المفوض السامي رقم 129 تاريخ 31 أذار 1920 تقسيم الليرة مجددا إلى مئة غرش (أو قرش) ومن ثم بموجب القرار رقم 635 تاريخ 15 كانون الثاني 1921 تقسيم القرش إلى مئة "سانتيما" (Centièmes)[2].

لذلك لا يوجد أي مبرر لإلغاء المادة الثالثة بل يتوجب الحفاظ عليها ليس فقط لبعدها التاريخي وارتباطها بنشأة الليرة اللبنانية، لكن أيضا نظرا لضرورة تبني وحدة نقدية كسرية ما دون الوحدة النقدية في كل عملات العالم حتى لو كان وجودها قانونيا فقط.

ويتضمن الاقتراح أيضا تعديلا للمادة الثامنة من قانون النقد والتسليف بحيث يتم رفع القوة الإبرائية (valeur libératoire) للأوراق أو القطع المعدنية  التي تتراوح قيمتها من ليرة واحدة إلى عشرين ألف ليرة كي تصبح مثلا مئة ألف ليرة للقطع أو الأوراق النقدية من فئة خمسة ألاف وعشرة آلاف ليرة لبنانية. ومن الملاحظ أن اقتراح التعديل يذكر القوة الابرائية الجديدة لكل الأوراق والقطع الصغيرة لكنه نسي أن يذكر فئة المئة ليرة إذ تنص الفقرة "أ" أن الفئات بين الليرة والخمسين ليرة تتمتع بقوة ابرائية هي ألف ليرة، بينما تستكمل الفقرة "ب" تعداد السمات النقدية انطلاقا من فئة ال 250 ليرة ما يعني أن فئة المئة ليرة سقطت سهوا ويتوجب إضافتها إلى اقتراح القانون.

والقوة الابرائية، خلافا للخطأ الشائع الذي يتبادر مباشرة إلى الذهن، لا تعني القوة الشرائية إذ لا يعقل مثلا أن الورقة التي تبلغ فئتها الإسمية عشرة ألاف ليرة يمكن إنفاقها من أجل شراء سلع أو خدمات بقيمة مئة ألف ليرة. فالقوة الإبرائية هي المبلغ الأقصى الذي يجوز دفعه عبر استخدام فئة نقدية واحدة معينة أي أن البائع ملزم بقبول سداد دينه للشاري بموجب هذه الفئة بحدود المبلغ الذي يجيزه القانون. فلو عدنا إلى القوة الإبرائية لفئة العشرة آلاف ليرة، يتبين أنه يكون للشاري استخدام عشرة أوراق من هذه الفئة (ما مجموعه مئة ألف ليرة) كحد أقصى من أجل سداد دينه للبائع.

ولا شك أن المادة الثامنة من قانون النقد والتسليف فقدت معناها اليوم إذ لم يعد أحد يلتزم بها في حياته اليومية لكنها تجد مبرراتها في الظروف التاريخية التي أدت إلى إدخال القطع المعدنية المسكوكة من معدن غير ثمين كالنحاس في التداول بعدما كان الجمهور قد اعتاد استخدام القطع الفضية والذهبية لقرون طويلة بوصفها العملة التي يثق بها الجميع. فقد أجاز المفوض السامي بموجب القرار رقم 1849 تاريخ 16 شباط 1923 إصدار قطع نقدية نحاسية من فئة قرش وقرشين وخمسة قروش بينما نصت المادة الثانية أن القوة الإبرائية هي التالية: 25 قرشا للقطع من فئة القرش، خمسون قرشا للقطع من فئة القرشين، مئة قرش للقطع من فئة خمسة قروش. وقد فرضت المادة السابعة من القرار عقوبة تتراوح من ثمانية أيام إلى ستة أشهر سجن وغرامة تتراوح من 25 ليرة إلى ألف ليرة لكل من يرفض قبول هذه العملات النحاسية في حدود المبالغ القصوى المحددة لكل فئة في المادة الثانية السابق ذكرها.

وفي النهاية، تنص المادة الثانية من اقتراح القانون كالمعتاد على العمل به فور نشره في الجريدة الرسمية لكنه يضيف أنه يجاز لمصرف لبنان إصدار الفئات الجديدة تباعا وهي إضافة مستغربة كونها أولا لا مكان لها في المادة التقليدية التي تأمر بإشهار القانون من خلال نشره في الجريدة الرسمية وكان يمكن إضافتها في متن الاقتراح، ولأنها ثانية لزوم ما لا يلزم لأن إصدار الفئات الجديدة كما تبين معنا هو اختياري وبالتالي يحتفظ مصرف لبنان بكل حريته لطبع ووضع تلك الأوراق والقطع في التداول حين يشاء.

لقراءة اقتراح القانون، إضغط/ي هنا


[1]  مثلا فئة المئة ألف ليرة إصدار الأول من أيلول 2020 تطبع في شركة Giesecke and Devrient الألمانية المشهورة.

[2]  طوني عنقه، وسام اللحام، تاريخ النقد اللبناني 1919-1964، درغام للنشر، بيروت، 2017، ص. 30.