اقتراح لإعفاء "الشعب اللبناني" من فاتورة الكهرباء: المبادرة التشريعية كأداة لتسجيل المواقف

فادي إبراهيم

11/09/2024

انشر المقال

تقدّم النائب أديب عبد المسيح باقتراح قانون معجّل مكرّر يرمي إلى إعفاء "اللبنانيين" من دفع فاتورة الكهرباء بالكامل لشهر آب 2024. وقد برّر عبد المسيح اقتراحه بسببين، الأول اعتبره سببا "قانونيا" على اعتبار أنّ حكومة تصريف الأعمال بما فيها وزارة الطاقة لم تجتمع للعمل على تأمين الاعتمادات لتأمين الفيول حتّى لا تقع العتمة الشاملة، وتاليا لا يجوز لوزارة الطاقة ومؤسساتها أن تستوفي المال من الشعب المتضرر. والثاني، وصفه بالمعيشيّ حيث لا يُقبل أن يدفع الشعب الذي يُعاني معيشيا أن يدفع فاتورة كهرباء عن شهر لم يستفد فيه منها بخاصة في ظل ارتفاع فواتير المولّدات.

ومع التسليم بأحقيّة هذا الطرح، فإنّ الإشكال الذي يسجل عليه هو اعتماد صياغة تعكس نيّةً في تسجيل مواقف أكثر مما تعكس إرادة في تحقيق نتيجة معينة من خلال التشريع. فقد جاءت صيغة الاقتراح حرفيا كالتالي:

 "المادة الأولى: إعفاء الشعب اللبناني من دفع فاتورة الكهرباء بالكامل لشهر آب من سنة 2024."

 

صياغة ركيكة تتنافى مع طبيعة القوانين ومبدأ وضوحها

تتنافى هذه الصياغة مع المبادئ القانونية والتشريعية العامّة، بحيث يُفترض أن تحمل القوانين الصيغة الآمرة المتوافقة مع طبيعة القانون الآمرة. فيُلحظ هنا أنّ عبد المسيح لم يستعمل أي فعل في العبارة موضوع الاقتراح ما جعل الصياغة لا تأتلف مع هذه الطبيعة الآمرة، بل جاءت أقرب إلى عنوان خبر صحفي عن إعفاء من فواتير الكهرباء.

فضلا عن ذلك، يبقى نصّ الاقتراح غامضا. فليس واضحا من تشمل الفئة المستفيدة من الإعفاء بحيث أشار القانون إلى فئة "الشعب اللبناني". فماذا يشمل هذا التعبير؟ هل يشمل فقط الأشخاص الطبيعيين أم أنه يشمل أيضا الشركات والجمعيات والمؤسسات العامة والبلديات وما نسميه الأشخاص المعنويين من القطاعين الخاص أو العام؟ وهل هو يشمل فقط الأشخاص من التابعية اللبنانية أم أيضا الأجانب المقيمين في لبنان؟ وفي حال شمل فقط الفئة الأولى، فماذا بشأن العائلات المختلطة ولماذا لا يتم إعفاء الجميع طالما أن أحدا  لم يستفِد من الخدمة؟

من هذه الزوايا كافة، يخالف الاقتراح مبدأ فقه القانون ووضوحه والذي كان المجلس الدستوري كرّسه في عدد من قراراته ومن بينها قراره الأخير حول قانون موازنة العام 2024، وهو مبدأ يستوجب أن يكون النص القانوني واضحا لا يحمل في طيّاته أيّ إبهام، وذلك لحماية المواطنين من أيّ اعتباطية في التفسيرات المختلفة وتاليا في التنفيذ.

كما إن الاقتراح يخالف مبدأ المساواة الذي يطبق على من هم في أوضاع قانونية واحدة أو متشابهة وفقا لإجتهاد المجلس الدستوري في أكثر من قرار له. فالمبدأ المذكور لا يعني اللبنانيين وحدهم بل كل من هم في أوضاع قانونية متشابهة، أي في هذه الحالة عموم المشتركين في خدمات الكهرباء لدى شركة كهرباء لبنان.

أكثر من ذلك، لم يتضمّن الاقتراح ما يفيد بالعمل به فور نشره في الجريدة الرسمية كسائر القوانين وفقا للممارسة السائدة اليوم، وهو شرط ليصبح النص القانوني مرعي الإجراء.

 

إعفاء لا يحتاج لقانون

بموجب نظام المؤسسات العامة الذي تخضع له مؤسسة كهرباء لبنان، تُحدّد التعرفات وأسعار البيع والشراء وبدلات الخدمات التي تقدمها المؤسسة بموجب قرار يُتّخذ من قبل مجلس إدارة المؤسسة، على أن يخضع هذا القرار لموافقة وزير الوصاية (وزير الطاقة والمياه في هذه الحالة) ووزير المالية. وعليه، وعلى الرغم من عدم وجود ما يمنع من تعديل قرارات تحديد التعرفة بموجب قانون وذلك تبعا لتفوّق القوانين على القرارات الإدارية بموجب مبدأ تسلسل النصوص القانونية، إلّا أنّ ذلك لا يمنع من اعتبار هذا الاقتراح تغوّلا على السلطة التنفيذية وتدخلا في صلاحيتها الممنوحة لها قانونا، وتاليا اعتداء على مبدأ فصل السلطات.

 

تكرار الرداءة: تقصير من النائب أم من المجلس النيابي؟

ليست المرّة الأولى التي يقدّم فيها عبد المسيح اقتراحا يتنافى وأبسط المعايير التشريعية. فقد سبق لعبد المسيح أن تقدّم باقتراح قانون معجّل مكرّر يُمكن وصفه بأنّه من دون موضوع، كرّر فيه الأخطاء الواردة في هذا الاقتراح، وسبق للمرصد البرلماني أن علّق على هذه الأخطاء التشريعية تفصيليا. كما تقدّم باقتراح بأخطاء مشابهة أيضا يتعلّق بحماية مرضى السرطان.

وما يزيد من قابلية هذه الأخطاء للانتقاد هو أنّ الحق الممنوح للنائب في لبنان بتقديم اقتراحات بشكل انفرادي على عكس بعض النظم في العالم التي تستلزم عددا أكبر من النواب لتقديم اقتراحات القوانين، يستتبع معها تحمّل مسؤولية أكبر لتقديم اقتراحات بنوعية أفضل من المعمول بها راهنا.

من هذا المنطلق، يُصبح من الواجب التساؤل حول أسباب تكرار عدم الالتزام بأصول العمل التشريعي والذي لا يقتصر حصرا على النائب عبد المسيح، بل تكرّر كثيرا خصوصا في هذه الولاية. وقد يكون مردّ ذلك غياب أي آليات لمساعدة النواب في صياغة اقتراحاتهم أو لتقييمها قبل تقديمها. وفي الجهة المقابلة، لا يُمكن إعفاء النواب من الملامة في هذا الصدد، بحيث أنّ هذه المعارف متاحة ولا ضرر أو معابة بالاستعانة بمستشارين (متطوعين أو مدفوعي الأجر) للمساعدة في الصياغة القانونية، بحيث أظهرت أرقام المرصد البرلماني أنّ النواب من خلفية قانونية في هذه الولاية لا تتخطى نسبتها 11%، ومن الطبيعي أن يكون لديهم صعوبات في صياغة الاقتراحات.

 

خلاصة: تسجيل المواقف الشعبوية أهم من الفعالية التشريعية؟

بذلك، يُصبح اقتراح عبد المسيح أقرب لتسجيل موقف شعبوي منه لاقتراح فعلي، يسعى من خلاله إلى كسب تأييد شعبي بعيدا عن وضع تشريع يتلاقى مع معايير التشريع الواضح غير المبهم والمفيد. وما يزيد من قابلية هذا الأمر للانتقاد هو تقديم عبد المسيح بصيغة المعجل المكرّر، أي أنّه يُحاول إقرار الاقتراح من دون أن يمر باللجان النيابية لتعديله أو تنقيحه بما يتلاقى مع المبادئ الدستورية والتشريعية. وفي صيغة الاقتراح المقدّمة مخالفة جديدة هذه المرّة للنظام الداخلي لمجلس النواب، بحيث لم يُضمّن عبد المسيح اقتراحه بمذكّرة تبرّر الاستعجال كما تنص المادة 110 من النظام الداخلي.

 

سؤال جواب مع النائب أديب عبد المسيح

وتبعا لاستيضاح مقدّم الاقتراح بشأن القصد من تحديد المستفيد من الإعفاء ب "الشعب اللبناني" من فاتورة الكهرباء وفيما إذا كان يشمل الأجانب أو الأشخاص المعنويين أو المؤسسات العامة، أجابنا أنّ الإعفاء يشمل "كل جهة ذي صفة معنوية أو طبيعية أو كل عقار أو بيت يقف خلفهم شخص مستفيد وبالتالي عبارة الشعب اللبناني مقصود بها جميع كل المستفيدين اللبنانيين". كما أوضح: "قلت لبناني لأني أريد بالقانون استثناء النازحين السوريين ومخيماتهم إلا أن العقارات القانونية الأخرى حتى لو مملوكة من أجانب يشملها القانون".

للاطّلاع على اقتراح القانون