عندما تتحوّل الرداءة التشريعية إلى اقتراح قانون

وسام اللحام

13/03/2024

انشر المقال

تقدم النائب أديب عبد المسيح باقتراح قانون معجل مكرر بتاريخ 11 آذار 2024 ينص حرفيا في مستهله على "طلب إسقاط الاقتراح المقدم من معالي وزير الخارجية الرامي إلى إغلاق بعض القنصليات لا سيما قنصلية لبنان العامة في ريو دو جينيرو". وتابع الاقتراح في مادته الوحيدة شرح مبررات هذا "الطلب" لأسباب وطنية ودستورية "متمنيا" في آخره على الحكومة "ألا تسير في اقتراح وزير الخارجية  وأن تفتش عن أسباب الهدر في خزينة الدولة وتقوم بمعالجتها دعما للخزينة بما يساهم في حلّ المشكلة الكائنة وراء اقتراح وزير الخارجية وبصورة خاصة البحث في مدى ضرورة الحاجة إلى استمرار الصناديق المستقلة غير الخاضعة لأي رقابة ومحاسبة".

وقد شرحت الأسباب الموجبة أن اقتراح وزير الخارجية لا يدخل ضمن نطاق تصريف الأعمال وأنه حتى لو تم الافتراض أن إغلاق القنصليات داخل في نطاق تصريف الأعمال، فإن الحكومة التي تتخذ هكذا قرار وكالة عن رئيس الجمهورية يجب أن تتخذه بإجماع الوزراء وليس بأكثريتهم، وهو أمر غير متحقق اليوم.

وتضيف الأسباب الموجبة أنه يجب سحب اقتراح وزير الخارجية لسبب "وطني بامتياز" إذ "من المعلوم لدى الجميع مدى تعلق اللبنانيين المغتربين بوطنهم الأم" لا سيما في أميركا الجنوبية وبخاصة البرازيل حيث العدد الأكبر من المتحدرين من أصول لبنانية بحيث يؤدّي هذا الإغلاق إلى إغلاق "صلة الوصل بين لبنان الوطن ولبنان المغترب وهو الجناح الآخر للبنان" الذي "لم يتخلّ يوما عن واجب الدعم لأهله وأقربائه وأبناء وطنه في هذه الظروف الصعبة التي مرّ ويمرّ بها الآن".

يستوجب هذا "الاقتراح " الملاحظات التالية:

 

اقتراح من دون موضوع

يعلن الاقتراح رغبته بإسقاط "اقتراح" وزير الخارجية بإقفال بعض القنصليات. ومن المعلوم أن هذا الأخير كان قد تقدم باقتراح في جلسة مجلس الوزراء بتاريخ 28 شباط الماضي بإغلاق ستّ بعثات لبنانية في الخارج، وهي سفارات لبنان في كل من تشيلي والأوروغواي والإكوادور والباراغواي والقنصلية اللبنانية في ريو دي جانيرو البرازيلية، إضافة إلى السفارة في ماليزيا. وقد برّرت الوزارة طلبها بالأزمة المالية التي يعاني منها لبنان وأن إغلاق تلك البعثات من شأنه تحقيق وفر مالي قدره مليونان و163 ألف دولار.

وبغضّ النظر عن صوابية موقف وزارة الخارجية وموقف مقدّم الاقتراح الرافض لفكرة إغلاق تلك البعثات، فمن المستغرب أن مجلس الوزراء لم يناقش هذا الاقتراح في جلسته المذكورة ولم يتخذ قرارا بشأنه، ما يعني أن الاقتراح الحالي يستهدف أمرا لا وجود قانوني له إذ انه مجرد اقتراح لم يقترن بأي شكل من أشكال النفاذ، ما يجعل منه مجرد عمل تمهيديّ غير ملحق للضرر ولا حاجة لتدخّل المشترع من أجل معالجة قضية لا أساس لها.

وما يزيد من غرابة هذا الاقتراح هو إصرار النائب على تقديم اقتراحه بصيغة المعجل المكرر علما أن العجلة غير مبررة إطلاقا كون مجلس الوزراء لم يبحث هذا الموضوع ولم يتّخذ أيّ خطوة تبرر التدخل المستعجل لمجلس النواب.

 

صياغة قانونية رديئة

يعاني الاقتراح من قصور فادح في أصول العمل التشريعي إذ أن صياغة القوانين يجب أن تكون متوافقة مع طبيعة القانون الآمرة. فالنصوص التشريعية يجب أن تحتوي على أحكام ملزمة وبالتالي لا يمكن أن يصاغ النص القانوني على شكل تمنيات أو يكون مجرد توصيف للواقع. ويعتبر هذا المبدأ من البديهيات التي تنبع من طبيعة القاعدة القانونية وماهيتها وتهدف أيضا إلى المحافظة على وضوح النص القانوني من أجل السماح بتطبيقه بشكل شفاف، وحماية المواطنين من اعتباطية التفسيرات المتناقضة للنص الواحد. لا بل أن المجلس الدستوري الفرنسي[1] بات يبطل المواد في القانون التي لا تنص على أحكام آمرة لأن الدستور عندما منح السلطة التشريعية للبرلمان ألزمه بممارسة تلك السلطة على أكمل وجه.

وهكذا يصبح جليا أن اقتراح النائب أديب عبد المسيح هو أقرب إلى موقف سياسي أراد أن يسجّله، أو إلى تصريح صحفي من أجل التعبير عن رفضه لإغلاق القنصليات في الخارج، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يعدّ هذا الاقتراح بمثابة مبادرة تشريعية بالمعنى الدستوري الحقيقي كونه يكتفي بالطلب والتمني ما يشكل انتقاصا من صلاحيات مجلس النواب في التشريع.

لذلك كان من الأجدى على مقدّم الاقتراح أن يسلك الطريق الصحيح الذي ينص عليه النظام الداخلي لمجلس النواب عبر توجيه سؤال إلى الحكومة أو الوزير المعني من أجل التحذير من مخاطر إغلاق البعثات في الخارج، وليس عبر تحويل أمانيه إلى اقتراح معجل مكرر بصيغة قانونية أقل ما يقال فيها أنها رديئة وتتسم بعدم الجدية والتسرع وتشي بأن من وضعه لم يكلّف نفسه عناء التدقيق في أساسيات أصول التشريع قبل تقديمه. إذ لو فعل لكان من لديه أدنى إلمام بالقانون قد نصحه بالعدول عن تلك الصياغة البائسة.

إلقاء حبل المواقف الدستورية على غاربه

تظهر حماسة النائب عبد المسيح في الحجاج الدستوري الذي أطلقه على عواهنه في الأسباب الموجبة بخصوص صلاحيات حكومة تصريف الأعمال في ظل الشغور في رئاسة الجمهورية. وقد حاول مقدم الاقتراح جاهدا سبك مواقفه السياسية ضمن إطار دستوري فتوصل إلى خلاصات لا تستقيم إطلاقا ولا يمكن تفنيدها هنا لخروجها عن موضوعنا لا سيما مسألة حاجة قرارات الحكومة إلى إجماع الوزراء.

لكن الأسباب الموجبة لا تكتفي بإطلاق الفتاوى الدستورية بل هي تعلن إن إغلاق القنصليات، وهو قرار للتذكير لم يصدر، لا يدخل ضمن تصريف الأعمال. والحقيقة أن الجهة المختصة بتقدير ما إذا كانت قرارات الحكومة المستقيلة تدخل ضمن مفهوم تصريف الأعمال هو القضاء الإداري ولا يعقل أن يقوم مجلس النواب بإلغاء قرارات الحكومة بقوانين في كل مرة يظن أنها تخالف تصريف الأعمال، هذا فضلا عن خرق هكذا تدبير لمبدأ فصل السلطات والاعتداء على صلاحيات السلطة التنفيذية عبر حلول مجلس النواب مكان الحكومة.

خلاصة القول، إن النص الذي تقدم به النائب أديب عبد المسيح لا يرقى إلى مستوى الاقتراح بمفهومه الدستوري وهو عبارة عن تمنيات شخصية، قد تكون صحيحة من الناحية السياسية، لكنها غير صالحة على الإطلاق من ناحية صياغتها القانونية التي تعاني من فقر مدقع ما يجعل من التعليق على هكذا نص ضربا من ضروب التفجع القانوني عوض أن يكون نقاشا في المضمون. 

للاطّلاع على اقتراح قانون


[1] “Considérant qu'aux termes de l'article 6 de la Déclaration des droits de l'homme et du citoyen de 1789 : « La loi est l'expression de la volonté générale » ; qu'il résulte de cet article comme de l'ensemble des autres normes de valeur constitutionnelle relatives à l'objet de la loi que, sous réserve de dispositions particulières prévues par la Constitution, la loi a pour vocation d'énoncer des règles et doit par suite être revêtue d'une portée normative” (Décision n° 2004-500 DC du 29 juillet 2004).