التشريع خلسة: أو إخراج جلسات تشريعية من قبعة الساحر

المفكرة القانونية

21/10/2020

انشر المقال

للمرة الثانية خلال أقل من عامّ، يقفز رئيس مجلس النواب السيد نبيه بري فوق النظام الداخلي للمجلس، ليخرج جلسة تشريعية من قبعته من دون الإعلان عنها وعن جدول أعمالها مسبقا. المرة الأولى حصلت في 13 آب حين قفز الرئيس بري ومعه المجلس من مناقشة حالة الطوارئ لإقرار قوانين لم يتم الإعلان عنها مسبقا، أخطرها كان قانون تعليق المهل ومعها انتخابات النقابات المهنية حتى آخر سنة 2020. والمرة الثانية حصلت أمس حيث كانت الجلسة مخصصة لانتخاب أمينيْ سرّ وثلاثة مفوضين في هيئة مكتب المجلس، وأعضاء اللجان النيابية، فإذا بالسيد برّي يدعو إلى تحويلها إلى جلسة تشريعية. وكادت القفزة الجديدة تنجح لولا الخلافات السياسية الحاصلة حول قانون العفو ومسألة الانتخابات المبكرة، والتي دفعت الكثيرين لمغادرة الجلسة، مما أفقدها نصابها. ويضاف إلى ذلك عدد من الاقتراحات التي غالبا ما تقع بالباراشوت على جدول الأعمال (ومنها مثلا قانون المتضررين منت انفجار بيروت)، وهو وقوع يحصل تقريبا في كل جلسة تشريعية.

من شأن هذه الممارسة أن تؤدي إلى مفاعيل خطرة مؤداها تحويل التشريع الذي يفترض أن يعبّر عن إرادة شعب، إلى تشريع خلسة أو تشريع مباغتة. فبفعل المباغتة، يتم حرمان المواطنين من مناقشة أي من مشاريع أو اقتراحات القوانين المطروحة. الأمر نفسه ينطبق على النواب الذين يطلب منهم التصويت على مقترحات لم يتسنّ لهم مراجعتها من قبل. وهذه الممارسة تشكل علاوة على ذلك مخالفة للنظام الداخلي وتحديدا للمادة 8 منه. للتذكير، ينصّ النظام الداخلي للمجلس أن هيئة مكتب المجلس تتولّى وضع تقرير جدول الأعمال لكل جلسة ونشره في بهو المجلس وتبليغه إلى النواب مع نسخة عن المشاريع والاقتراحات والتقارير موضوع الجدول قبل 24 ساعة على الأقل من الجلسة.

وبالتفاصيل، فور انتهاء عملية انتخاب أعضاء اللجان، فوجئ الرأي العام وبعض النوّاب بقرار رئيس المجلس طرح تحويل الجلسة من إنتخابية إلى جلسة تشريعية. وفور إعلان الرئيس برّي عرض تحويل الجلسة إلى جلسة تشريعية على التصويت وكان 76 نائباً حاضراً، هم نوّاب كتلة "الجمهورية القويّة" للخروج ووقفوا عند باب الصالة، مما استتبع تعليقاً من الرئيس برّي وجّهه إلى النائب جورج عدوان مؤكداً "عدم حاجته إلى بوّاب يحرس مدخل المجلس"، طالباً من النواب الخروج أو الدخول. وخرج نواب كتلة "الجمهورية القويّة" وفقد نصاب الجلسة.

وأكّد النائب جورج عقيص لوسائل الإعلام أن خروج نواب كتلة “الجمهورية القويّة” من الجلسة أتى على خلفية عدم تبليغ النوّاب بأن البنود المتبقية عن جلسة 30 أيلول التشريعية ستبحث اليوم، واعتبارهم أن الجلسة مخصصة دستورياً لانتخاب اللجان النيابية وقسم رؤسائها. وللتذكير، كان تعذّر اكتمال النصاب في الجلسة المسائية في 30 أيلول بعد مناقشة النواب 14 بنداً فقط من أصل 43 بندا ورد على جدول أعمالها أو من خارجه، إثر تعذّر التوافق على مصير اقتراح قانون العفو العام.

ويبدو أن تعذّر الوصول إلى تسوية بشأن اقتراح العفو في ظل استمرار نقاط الخلاف نفسها، هو ما تسبّب للمرة الثالثة على التوالي بتطيير نصاب الجلسة البرلمانية، مع ظهرور توجّه لدى نوّاب كتلة "الجمهورية القويّة" ما يزال غير رسمي بمقاطعة جلسات المجلس النيابي التشريعية في سبيل الضغط لاجراء انتخابات نيابية مبكرة.

وكانت قد سرت معلومات عشية الجلسة مفادها امكانية النظر في اقتراحين مقدّمين من كل من النائبين جميل السيّد وعلي حسن الخليل لمعالجة الاكتظاظ في السجون. وهذا ما أكده النائب جميل السيّد لقناة "الجديد" بقوله أنه فوجئ بطلب الرئيس سعد الحريري تأجيل النظر بالموضوع اليوم، مما حمله على الانسحاب من الجلسة.

ختاما، تجدر الإشارة إلى أنه وللسنة الثانية على التوالي، يفتتح العقد العادي الثاني النيابي بإدراج قانون العفو أولاً على المناقشة، مع العلم أنه يقتضي أن تخصص جلساته للبحث في الموازنة والتصويت عليها قبل كل عمل آخر بحسب المادة 32 من الدستور.