"قانون الشفافية والكفاءة في تعيين الموظفين": محاولة لحصر استنسابية الوزير ومجلس الوزراء في التعيينات، يجهضها المجلس الدستوري

المرصد البرلماني

13/10/2021

انشر المقال

بتاريخ 2020/5/28[1]، صدّق مجلس النواب اقتراح القانون الرامي إلى تحديد آلية التعيين في الفئة الأولى في الإدارات العامّة وفي المراكز العليا في المؤسسات العامّة المقدّم من النائب جورج عدوان في 9/9/2019 والمعدل في لجنة الإدارة والعدل.

وقد أعلن النائب عدوان أنه استلهم اقتراحه من آلية التعيين التي أقرّها مجلس الوزراء في العام 2010، بناء على اقتراح وزير التنمية الإدارية آنذاك محمد فنيش وأنه هدف منه إلى جعل هذه الآلية ذات طابع إلزامي. كما واعتبر عدوان أن “هذا المشروع سيضع الشخص الملائم في المكان الملائم، بدل اعتماد المحاصصة المذهبيّة في الإدارة”. وأنهى مداخلته قائلا: “وجهة التصويت ستظهر من يدعو لاعتماد الكفاءة”. وكان الاقتراح الأساسي قد أرسى آلية لتعيين موظفي الفئة الأولى، عن طريق إنشاء لجنة مؤلفة من الوزير المختص ورئيس مجلس الخدمة المدنيّة ووزير الدولة للشؤون الإنمائيّة، تتولى وضع مواصفات التعيين للوظائف الشاغرة وتجري مقابلات شفهيّة مع الموظفين المؤهلين للتعيين وصولا إلى وضع لائحة بثلاثة أسماء وفقا لترتيب العلامات. فإذا تم ذلك، يرفع الوزير هذه اللائحة إلى مجلس الوزراء الذي يطّلع عليها ويختار إسما منها لأجل التعيين.

ملاحظات: عمدت لجنة الإدارة والعدل إلى إدخال تعديلات على الصيغة الأساسية، أهمها تمكين الوزير من إضافة أسماء جديدة على المرشّحين الذين يتم اختيارهم وفق الآلية المحددة في القانون، وأيضا تمكين مجلس الوزراء رفض تعيين أي من المرشحين الذين يتم اختيارهم وفق الآلية المذكورة. كما استثنت الصيغة المعدّلة “من تطبيق الآلية المذكورة في هذا القانون ملء وظائف الفئة الأولى الشاغرة في المديرية العامة لرئاسة الجمهورية، المديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء ورؤساء وهيئات الرقابة”.

وكان المرصد البرلماني في “المفكّرة القانونية” قد انتقد[2] هذه الصيغة الأخيرة للاقتراح، معتبراً أنّ من شأن التعديلات التي أدخلت أن تفرغ القانون من جوهره.

من جهة أخرى، أفضى النقاش في الهيئة العامة للمجلس إلى إدخال ثلاثة تعديلات إضافية أساسية على الاقتراح، دون المساس بالوظائف المستثناة من الآلية، وهذه التعديلات هي:

  • أوّلا تمّ إسقاط التعديل الذي كانت أضافته لجنة الإدارة والعدل والرامي إلى إعطاء الوزير إمكانيّة إضافة إسم على لائحة المرشّحين. وهو أمر يذهب في الاتّجاه الجيد، حيث أن إبقاء هذه الصلاحية كان ليجرد عمليا الآلية من فعاليتها، من خلال تمكين الوزير من إسقاط مرشحين إضافيين بالباراشوت، من دون أن يتم مسبقا فحص سيرهم الذاتية ومؤهلاتهم ومقارنتها مع سائر المرشحين؛
  • ثانيا، تمّ تعديل المادة المتعلّقة بالتعيين وصلاحية مجلس الوزراء. فبعدما كان بإمكان مجلس الوزراء رفض الأسماء الثلاثة المرشّحة، فإنه حصر إمكانية القيام بذلك لمرّة واحدة على أن يكون ملزما في المرّة الثانية بحسم خياره من ضمن المرشحين الثلاثة.
  • ثالثاً، تمّت إضافة ضرورة نشر المراكز الشاغرة والدعوة للترشح لملئها على الموقع الإلكتروني للوزارة المعنية.

 

المناقشات النيابية: بدأ النقاش بمداخلة من النائب جورج عدوان الذي أكّد على أهميّة الاقتراح الذي من شأنه وفقه أن يسبّب قفزة إصلاحيّة نوعيّة بالنسبة لتعيينات الموظفين العموميين في ظلّ ثقافة الاستتباع الطاغية حاليا، وأنّ هذا القانون هو خطوة أولى لتحديد معايير للتعيين.

من جهته، أثار النائب جميل السيّد مشكلة على مستوى صلاحيّات مجلس الوزراء، معتبرا ألا جدوى من إقرار آليّة للتعيين إذا كان بإمكان مجلس الوزراء أن يتجنّبها أو يأخذ قراراً معاكساً، وطلب بإعادة المشروع إلى اللجان.

بالمقابل، اعتبر النائب جبران باسيل أنّ من شأن هذا الاقتراح أنّ يمسّ بالصلاحيّات المعطاة للوزير في المادة 66 من الدستور ملوّحا بإمكانية الطعن به في حال إقراره خلافا لهذه المادة، وأنّ الآليّة المقترحة ستطبّق بطريقة استنسابيّة من قبل الحكومة حسب أهدافها وأهداف القوى السياسيّة. وقد ردّ عليه النائب أسامة سعد بقوله أنّ منصب الوزير سياسي ولذلك معاييره تكون سياسيّة، ولذلك لا يجب أن يتدخّل في التعيينات، وطلب شطب حقّ الوزير من إضافة الأسماء، ووافق العديد من النوّاب على هذه الفكرة. وتدخّل النائب الياس حنكش ليطلب نشر المراكز الشاغرة والدعوة للترشح لملئها على الموقع الإلكتروني للوزارة وليس فقط على بابها “لأننا في القرن الحادي والعشرين”.

وجرى نقاش وتصويت على مسألة دستوريّة الاقتراح التي كانت قدّ تمّت إثارتها من العديد من النوّاب، وصوّتت الأغلبية على دستوريته. ثمّ تمّ التصويت على الاقتراح مع التعديلات المذكورة، وتمّ تصديقه.

 

إبطال المجلس الدستوري القانون: بعد صدور القانون، عمد رئيس الجمهورية إلى الطعن به أمام المجلس الدستوري الذي انتهى إلى إبطاله بتاريخ 22/7/2020. وقد استند المجلس إلى ثلاث حجج انتقدتها[3] "المفكرة القانونية". وهذه الحجج هي الآتية: مبدأ قوة القضية المقضية لقرارات المجلس الدستوري وإلزاميّتها وتحديداً القرار رقم 5/2001، الذي أبطل قانون التعيينات الصادر عام 2001 (وهو ما انتقدته "المفكّرة" لوجود فارق بين القانونين)؛ من جهة ثانية، التفريق بين المادة التشريعية التي تدخل ضمن صلاحيات المشرع domaine législatif والمادة التنظيميّة التي تدخل ضمن صلاحيات السلطة التنفيذيةdomaine règlementaire   (وهو أيضاً ما انتقدته "المفكّرة" على أساس ضرورة التمييز بين سلطة التعيين التي تعود للسلطة الإجرائية والوزير، وسلطة الاقتراح التي لا تدخل ضمن الصلاحية الإلزامية للسلطة الإجرائية)؛ وأخيراً، تكريس صلاحيات الوزير الدستوريّة من خلال تفسير واسع للنص الدستوري.

ويكون بذلك قد وضع حدّا لخطوة (قد تكون غير كافية) كان يؤمل منها تعزيز اعتبارات الكفاءة والحدّ من شمولية المحاصصة في الإدارة وآليات استتباعها. ومن أبرز الأمثلة على هذه الممارسات، التعيينات التي كانت حكومة حسّان دياب لتصريف الأعمال قد أقرّتها خلال اجتماعها المنعقد في 10/6/2020 والتي شابتها مخالفات فادحة للقانون.

 


[1] المفكرة القانونية – المرصد البرلماني لبنان، كامل نتائج الجلسة التشريعية أيار 2020: محاصصة العفو العام تطيّر الجلسة بعد مناقشة 11 من أصل 37 مقترحا "مظلومية" النواب وخوفهم من كيدية القضاء غير المستقل تصون سريتهم المصرفية، الموقع الالكتروني للمفكّرة القانونية، 2020/5/30

[2] المفكرة القانونية – المرصد البرلماني لبنان، اقتراح قانون الشفافية والكفاءة في تعيين الموظفين العامين: هكذا نسفت لجنة الإدارة والعدل معايير الشفافية (الجلسة التشريعية 28 أيار 2020)، الموقع الالكتروني للمفكّرة القانونية، 2020/5/7

[3] شهرزاد يارا الحجار، قرار المجلس الدستوري بشأن قانون آليّة التعيين: التضحية بالكفاءة بحجة حماية صلاحياتالسلطة الإجرائيّةأو هذا القرار الذي يقتل، الموقع الالكتروني للمفكّرة القانونية،2020/8/11