قانون المحميّات الطبيعيّة
13/10/2021
بتاريخ 17/04/2019[1]، صدّق البرلمان مشروع قانون المناطق المحمية المُحال من الحكومة بتاريخ 25 نيسان 2012 وهو يرمي إلى وضع قانون عام وشامل لجميع المناطق المحمية.
مسار القانون: بدأ العمل على وضع قانون خاص بالمحميّات الطبيعيّة، بهدف توحيد وتنظيم الأحكام المطبّقة على المحميّات الطبيعيّة اللبنانيّة في وزارة البيئة. وكان لجمعية “مدى” دور أساسي في صياغة المسودة الرئيسية، التي رأت في وضع تشريع جديد فرصة لتطوير التشريع اللبناني في ما يتعلّق بالمناطق الطبيعيّة المحتاجة إلى حماية من خلال توسيع أشكال حماية المناطق لتشمل علاوة على المحميات، المنتزهات والحمى. وفي 25 نيسان 2012، أحال مجلس الوزراء مشروع القانون إلى مجلس النوّاب، ليحال إلى اللجان النيابية ومن ثم إلى لجنة فرعية.
ويشكّل القانون محاولة لوضع نظام عام شامل للمحميّات الطبيعية، يوفق بين حماية المواقع الطبيعيّة التي تشّكل كما جاء في الأسباب الموجبة، "ثروة وطنيّة وتراثا طبيعيّا"، ومتطلبات التنميّة الريفيّة.
ملاحظات:
وضع نظام شامل للمحميّات، عمليّة ناجحة؟
تتعدّد اليوم المحميّات الطبيعيّة في لبنان، التي بدأت تنشأ حسب المعايير الدوليّة سنة 1992، مع صدور القانون 121/92 الذي أنشأ محميّة جزيرة النخل وجزيرة سنني وجزيرة رامكين (كمحمية واحدة)، ومحميّة مشاع حرش إهدن الطبيعيّة. الغاية من إنشاء المحميّات هي المحافظة على ثروات منطقة ذات أهميّة خاصة بسبب ندرتها أو تهديد كائنات موجودة فيها بالإنقراض. ويفترض ذلك حماية المنطقة من الإنسان الذي يهدد في العديد من نشاطاته المعاصرة البيئة. ولهذا السبب نرى أن أنظمة المحميّات تتضمن العديد من الموانع، كمنع قطع الأشجار ومنع دخول المواشي إلى المحميّة، أو منع رفع أي حاصل من حاصلات المحميّات[2] .
لا يتطرق القانون الذي نعلّق عليه إلى هذه المسائل التي سيعود إقرارها إلى لجنة المحميّة، فهذا القانون هو مجرّد قانون تنظيمي للمحميّات التي ستنشأ بعد صدوره.
ينصّ القانون على فئتين من المحميّات الطبيعيّة: الأولى هي المحميّات الواقعة على أملاك الأشخاص العامين، والثانية المحميّات الواقعة على أملاك أشخاص القانون الخاص.
بالنسبة إلى المحميّات الواقعة على أملاك الأشخاص العامين، ينصّ القانون على أن تنشأ المحميّة بموجب قانون. وأثارت هذه النقطة موضع الجدل الأكبر بين الحكومة واللجان النيابيّة والجمعيّات المهتمّة بحماية البيئة. فالبعض كان يعتبر أن من المفضّل أن تنشأ المحميّة بموجب مرسوم في مجلس الوزراء نظرا لمرونة الإجراءات المطلوبة لإقراره بالنسبة إلى تلك المطلوبة لإقرار قانون. اعتُمد في النهاية حلّ إنشائها بموجب القانون لأن ذلك يشكّل حماية أكبر قانونيا، إذ أن التراجع عن قانون أصعب من التراجع عن مرسوم.
أمّا المحميّات الواقعة على أملاك أشخاص القانون الخاص، فتنشأ بموجب "عقد بين الدولة اللبنانيّة ممثلة بشخص وزير البيئة وأصحاب الأملاك لمدّة لا تقلّ عن عشرين سنة قابلة للتجديد"[3]. وفي سبيل مراعاة حقّ الملكيّة المصان في المادة 15 من الدستور اللبناني، ينصّ القانون أنه في حال رفض أحد المالكين/بعضهم ضمّ أملاكه/م إلى المحميّة الطبيعيّة، يمكن لوزارة البيئة إمّا أن تطلب إستملاك العقار/ات عن طريق إعلان المنفعة العامّة البيئيّة أو أن تقايض هذه الأملاك بأملاك الدولة. ومن أهم المستجدات التي يقّرها القانون إنشاء لجنة لكل محميّة طبيعيّة، تتمتّع بالشخصيّة المعنويّة تتولى إدارة المحميّة بما فيها وضع وتنفيذ موازنتها الماليّة. ويلحظ القانون أن يراعى – بالنسبة للمحميّات الواقعة على أملاك أشخاص القانون الخاص – في تشكيل اللجنة، تمثيل أصحاب الأملاك الخاصة (بنسبة 49% من أعضاء اللجنة) الذين سيشاركون إذا في إدارة المحميّة القائمة على أراضيهم. هذه المشاركة هي مقابل المسؤوليّة الثقيلة التي تقع على عاتقهم، فيلحظ القانون أن نفقات المحافظة على المحميّة تكون مبدئيا على عاتق المالكين، مع أنه ينص على إمكانية إلزام الدولة بموجب العقد بالمشاركة في النفقات (المادة 13 من القانون). وقد يقلّل هذا الأمر من رغبة المالكين بالمشاركة في إنشاء محميّة طبيعيّة على أراضيهم.
على الصعيدين الإداري والمالي، يلحظ القانون إمكانيّة فرض رسوم دخول لزيارة المحميّة وممارسة الأنشطة فيها، على أن يتم تحديد رسم الدخول بموجب مرسوم يصدر بناء على اقتراح وزيري البيئة والمالية وفق اقتراح لجنة المحميّة. وهذا أيضا من مستجدات القانون. فقبل ذلك، لم يكن ممكناً فرض رسوم دخول بل فقط طلب مساهمة.
ولكن إحدى الإشكاليات الأساسية في القانون، أن المادة 21 منه نصّت على أن "تبقى المحميّات الطبيعيّة المنشأة بقوانين سابقة خاضعة لقوانين إنشائها". بهذا المعنى، تضعف المادة من فعالية الغاية من وضع قانون إطار ينظّم إدارة المحميّات الطبيعيّة اللبنانيّة، إذ تبقى التشريعات الراعية لها مبعثرة. فتبقى إذا بحسب هذه المادة مطبّقة المواد المتعلّقة بلجان المحميّات على المحميّات التي سبق إنشاؤها.
قوننة أشكال أخرى من الحماية للمناطق تراعي التوفيق بين التنميّة الاجتماعيّة وحمايّة البيئة
إلى جانب الموادّ التي لحظها القانون بالنسبة إلى المحميّات الطبيعيّة، يُخصّص القانون مادّته الثانية لفئات أخرى من المناطق المحميّة، هي المنتزه الطبيعي، الموقع والمعلم الطبيعي، والحمى. تختلف هذه الفئات على صعيد درجة الحماية التي تتمتع بها كلّ منطقة، وأطر التوفيق بين حماية المنطقة وإعطاء فرصة لسكانها بالإستفادة من الموارد الموجودة فيها. ويراعي هذا النمط من إدارة المناطق الواجب حمايتها المبادئ الواجب احترامها في حماية البيئة والملحوظة في المادتين 3 و4 من قانون حماية البيئة[4]، وعلى رأسها واجب "تأمين حاجات الأجيال الحاليّة من دون المساس بحقوق الأجيال المقبلة".
1) بالنسبة إلى الموقع أو المعلم الطبيعي، يكتفي القانون بالإحالة إلى أحكام القانون الصادر في 08/07/1939 مع استبدال عبارتي وزارة/وزير الإقتصاد الوطني بعبارتي وزارة/وزير البيئة. حسب قانون عام 1939، تتمتع هذه الفئة على حماية نسبيّة: فإذا اندرج الموقع أو المنظر على قائمة الجرد التي تنظمها وزارة الإقتصاد (ومن الآن فصاعدا وزارة البيئة)، يحظر على المالك أن يباشر في أرضه أو يدع أحد يباشر "أي عمل من شأنه أن يغيّر الهيئة العامة للمناظر أو المواقع الطبيعيّة أو يفسد أو ينقص أهميتها بالنظر إلى السياحة".
إلا أن التطوّر الحقيقي الذي يأتي به القانون يظهر مع تشريعه فئتي المنتزه الطبيعي والحمى.
2) تعود فكرة المنتزه الطبيعي إلى الخطّة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانيّة (SDATL) التي وضعها مجلس الإنماء والإعمار في 2005. ففي إطار هذه الخطّة، تمّ اقتراح إنشاء خمسة منتزهات إقليميّة/محليّة (regional) ومنتزه وطني. وفي نفس الوقت كانت جمعيّة مدى قد بدأت العمل على إنشاء منتزه طبيعي في منطقة عكّار. كان هذا المشروع قائما بالتعاون مع منطقة الرون ألب (Rhône-Alpes) الفرنسيّة. وكانت الدولة الفرنسيّة والاتّحاد الأوروبي يطالبان بإقرار قانون يشرّع وينظم مؤسسة المنتزه الطبيعي، الأمر الذي دفع جمعيّة مدى إلى إضافة فئة المنتزه (والحمى) إلى المحميات، مع ما استتبع ذلك لجهة تحويل المشروع من قانون متعلّق بالمحميّات الطبيعيّة إلى قانون مناطق محميّة.
وتؤسّس فئة المنتزه الطبيعي على مفهوم “الإدارة المتكاملة للمنطقة”. فالغاية منه ليست حماية منطقة ما نظرا لأهميتها الإيكولوجيّة، بل إشراك البلديّات والسكان المجاورين في إدارة موارد وثروات المنطقة بشكل مُستدام. منطق الشراكة في هذا الإطار يختلف عن منطق المنع السائد بالنسبة للمحميّات، وهو أكثر تناسقا مع فكرة التنمية المستدامة. تأتي الشراكة أولا على صعيد إنشاء وتنظيم المنتزه الطبيعي، فينشأ المنتزه بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزيري البيئة والداخليّة والبلديّات، بناء على طلب من البلديّات المعنيّة. كما يلحظ القانون أن شرعة المنتزه التي تنظمه هي "وثيقة تعدّها وتوافق عليها البلدية أو البلديّات واتحاد أو اتحادات البلديّات التي يقع المنتزه الطبيعي في نطاقها". كما أن القانون يلحظ أن تكون مدّة الشرعة ثماني سنوات، ويعاد النظر فيها دوريا كي يتسنّى للمعنيين أخذ التطورات على الصعيد البيئي أو غيره بعين الاعتبار. وتكون إذا إدارة المنطقة مرنة تتوافق مع الحاجات.
3) أما بالنسبة إلى فئة الحمى، فيعرّف عنها القانون ك "موقع محمي يضم نظاما إيكولوجيا طبيعيا [...] ذا تنوّع بيولوجي مهم وخدمات إيكولوجيّة وقيم ثقافيّة". وتعود فكرة تطوير هذه المؤسّسة في لبنان إلى جمعيّة حماية الطبيعة في لبنان (SPNL). وهذه المواقع أصغر من فئتي المحميّات والمنتزه، مستوحاة من أنظمة عربيّة وإسلاميّة لإدارة المناطق. هو كالمنتزه مبني على شراكة في الإدارة المستدامة لموقع ما. ويكرّس القانون إنشاء الحمى بقرار من المجلس البلدي.
[1] المفكرة القانونية-المرصد البرلماني لبنان، ماذا سيناقش المجلس النيابي اللبناني غدا؟ محميات طبيعية على أنقاض الكسارات ومكافحة الفساد في موازاة التفلّت من الشفافية في قطاع الكهرباء ومناطق اقتصادية على قياس الطوائف، الموقع الالكتروني للمفكرة القانونية، 16/04/2019.
[2] نجد هذه الموانع في أغلبيّة القوانين المنشإة لمحميات طبيعيّة في لبنان، فنجدها مثلا في المواد 1 إلى 3 من قانون 121 تاريخ 09/03/1992 المتعلّق بإنشاء محميتين طبيعيتين في بعض الجزر أمام شاطىء طرابلس.
[3] المادة العاشرة من القانون.
[4] قانون 444 تاريخ 29/07/2002