لغز التصويت على الموازنة بنداً بنداً: أو ذاكرة البرلمان المثقوبة
19/09/2022
في كل مرة يعمد فيها مجلس النواب إلى التصويت على الموازنة العامة تثار مسألة الأصول الدستورية الواجب اتباعها من أجل إقرارها. فمن المعلوم أن الموازنة هي قانون نص الدستور على اجراءات خاصة من أجل مناقشتها والتصويت عليها. ومن بين تلك الاجراءات ما ورد في المادة 83 من الدستور التي أعلنت التالي: ” كل سنة في بدء عقد تشرين الأول تقدم الحكومة لمجلس النواب موازنة شاملة نفقات الدولة ودخلها عن السنة القادمة ويقترع على الموازنة بنداً بندا”.
فإذا ما وضعنا جانبا قضية التأخر الدائم في تقديم الموازنة السنوية، وهو الأمر الذي أصبح من المخالفات المألوفة في النظام اللبناني، يتوجب علينا فهم ما هو المقصود عندما يعتبر الدستور أن التصويت على الموازنة يجب أن يتم بندا بندا. فهل كلمة البند هي مرادفة لمواد الموازنة بحيث يفهم من النص الدستوري انه يتوجب التصويت على كل مادة من مواد الموازنة على حدة بحيث يمتنع على مجلس النواب التصويت على قانون الموازنة بمادة وحيدة كما يفعل أحيانا مع سائر القوانين؟ أو أن كلمة البند تحمل مدلولات مختلفة إذ تشير إلى تقسيم معين للموازنة بحيث يتم التصويت بطريقة تفصيلية على أرقام الموازنة تضمن شفافية أكبر من مجرد التصويت العام على المواد، ما يسمح لمجلس النواب بتفعيل دوره الرقابي.
ولا شك أن هذه المسألة تصبح أكثر تعقيدا في حال قرأنا النص الفرنسي الأصلي للمادة 83 إذ يتبين لنا انه يشير إلى ضرورة التصويت على الموازنة مادة مادة (article par article). فهل البند في الصيغة العربية يعني المادة في الصيغة الفرنسية؟ ولماذا لم يقم النص العربي بالقول بكل بساطة أن التصويت على الموازنة يتم وفقا للمواد؟ لماذا يعتمد النص العربي تعبير “البند” بينما الدستور نفسه يتألف من مواد، أي أن الدستور لا يجهل أن تقسيم القوانين العادية يتم وفقا للمواد، وبالتالي لماذا تعمّد الدستور تبني تعبير البند في المادة 83 بينما استخدم مصطلح “المادة” أو “المواد” في سائر أحكامه.
وما يفاقم الحيرة في هذا الخصوص هو أن الدستور السوري الصادر سنة 1930، الشبيه جدا بالدستور اللبناني الذي أقر سنة 1926، نص في المادة 99 وفقا لصيغتها العربية على التالي: “تقدم الحكومة إلى مجلس النواب في بدء دورة تشرين الأول من كل سنة الموازنة العامة لنفقات الدولة ومداخيلها عن السنة التالية. ويقترع على الموازنة مادة مادة”. فلماذا يشير الدستور السوري إلى مواد الموازنة بينما الدستور اللبناني يستخدم مصطلح البند؟
كي نتمكن من حل هذا اللغز يتوجب علينا العودة إلى التجربة الفرنسية خلال الجمهورية الثالثة (1875-1940). فمن خلال مراجعة القوانين الدستورية للجمورية الثالثة يتبين لنا أنّها جاءت خالية من أيّ نص يشير إلى كيفية التصويت على الموازنة. وبما أن الدستور اللبناني يستوحي أحكامه ليس فقط من النصوص الدستورية الفرنسية لكن أيضا من التجربة الدستورية والقانونية الفرنسية بشكل عام خلال الجمهورية الثالثة كان لا بد من العودة إلى الأصول المتبعة في فرنسا في التصويت على الموازنة من أجل فهم المادة 83.
وبالفعل، يتبيّن لنا أن الأحكام القانونية التي ترعى كيفية التصويت على الموازنة تطورت في فرنسا نحو ممارسة أكثر تشددا من قبل السلطة التشريعية تجاه الحكومة. فبين 1817 و1831 كان يتم التصويت على النفقات عبر تخصيص مبلغ لكل وزارة من وزارات الدولة بحيث يتمكن الوزير المعني من توزيع هذا المبلغ على النفقات التي يرتئيها ضمن وزارته، ما منحه حرية كبيرة وأدى إلى الحدّ من دور البرلمان الرقابي. لكن في 24 كانون الثاني 1831 صدر قانون نص على ضرورة تخصيص الإعتمادات وفقا للفصول (chapitre) ضمن كل وزارة وهو ما يعرف بقاعدة التصويت الفصلي، ما يعني أن الوزير فقد قدرته على التحكّم بالمبالغ المخصّصة لوزارته بل بات عليه الالتزام بالإنفاق وفقا للاعتمادات المفتوحة في كل فصل. ومن نتائج قاعدة التصويت الفصلي عدم قدرة الوزير على نقل الاعتمادات من فصل إلى آخر بقرار منفرد منه بل بات الأمر يحتاج إلى إقرار قانون في مجلس النواب يجيز ذلك.
لكن القانون الفرنسي نصّ أيضا على أن الموازنة يتم توزيعها على الوزارات، والوزارات يتم تقسيم نفقاتها على الفصول بينما يتم تقسيم الفصول إلى مواد (articles). لكن التصويت يتم على الفصول فقط ما يعني أن الوزير الذي فقد قدرته على نقل الاعتمادات من فصل إلى آخر يظل محتفظا بقدرته على نقل الاعتمادات بين المواد داخل الفصل الواحد”[1].
وهذا ما يشرحه لنا فارس الخوري عندما يكتب أن التصويت الفصلي هو المتّبع في فرنسا إذ تتألف الموازنة من جداول مقسمة إلى أقسام وفصول ومواد لكن تتم قراءة أمام مجلس النواب الفصول فقط بحيث “يقترع على كل فصل منها بمفرده. أما المواد المؤلف منها الفصل فلا يطلب التصويت عليها بإفرادها وإنما تكون معروضة أمام النواب ولهم أن يعدلوا أرقام الفصل بحذف إحدى مواده أو بتنقيح أرقامها”[2]. ويضيف الكاتب أنه في حال صوت المجلس على المواد، فلا يعود يحق للوزير نقل المخصصات من مادة إلى أخرى “لأن المادة تصبح بهذه المصادقة هي الوحدة القياسية في الموازنة فلا ينقل منها لغيرها بدون إذن المجلس وهذه عراقيل تأباها الوزارات ويتحاشاها النواب لذلك جعلوا الفصل هو الواحد القياسي في الموازنة”[3].
وعلى الرغم من أن غالبية الدول اتبعت قاعدة التصويت الفصلي. “لكن هذا لم يمنع بعضها ومن جملتها الحكومة السورية أن تجعل التصويت على أساس المادة كما جاء في المادة 99 من الدستور أن يقترع على الموازنة مادة مادة”[4].
وهكذا يتبين لنا أن المادة في الموازنة لا تعني المواد التي يتألف منها قانون الموازنة والتي يتم نشرها قبل الجداول التفصيلية التي تحتوي على أرقام الموازنة. فالمادة بمفهومها الفرنسي هي الكيفية التي يتم فيها تقسيم الفصول التي تعود لوزارات الدولة في جداول الموازنة التي تنشر نفقات ومداخيل الدولة[5].
فكلمة البند الواردة في المادة 83 من الدستور اللبناني كترجمة لكلمة “article” الفرنسية تعني بكل بساطة المواد التي تتألف منها فصول الموازنة. لذلك يمكن القول بأن الدستور اللبناني تبنّى قاعدة أكثر تشدّدا في كيفية التصويت على الموازنة وهو ما يمكن فهمه أيضا على ضوء الأحكام التي كانت ترعى إعداد الموازنة قبل تبني الدستور سنة 1926. فقد أصدر المفوص السامي في 16 تشرين الأول 1923 القرار رقم 2231 حول المحاسبة العامة للحكومات المحلية الذي نظم أصول تحضير الموازنة إذ نصت المادة الثامنة منه أن موازنة النفقات تقسم إلى فصول بينما تقسم الفصول إلى مواد، بينما أعلنت المادة 11 أن السلطة التنفيذية ممثلة بشخص حاكم دولة لبنان الكبير يحق له نقل الاعتمادات من مادة إلى أخرى ضمن الفصل الواحد لكن لا يحق له نقل الاعتمادات من فصل إلى أخر إلا بعد احترام الأصول الخاصة المتبعة من أجل اقرار الموازنة وهي أصول جرى تحديدها في القرار رقم 1304 الصادر في 8 أذار 1922 حول صلاحيات المجلس التمثيلي المنتخب.
وهكذا يكون القرار رقم 2231 قد تبنّى قاعدة التصويت الفصلي ما منح السلطة التنفيذية حينها حرية كبيرة في التحكم بالإنفاق الأمر الذي أثار اعتراضا من قبل النواب الذي عبروا عن رفضهم لذلك. ففي محضر جلسة 4 تشرين الثاني 1924 نقرأ التالي:
“وهنا طلب الأستاذ نمور (مقرر لجنة المالية) من الحكومة أن توافق على تقسيم ميزانية النفقات إلى أقسام وفصول وبنود فأجابه ناظر العدلية أنّ مسألة التقسيم درست في السنة الماضية ولم يصادق عليها وقد نظمت الميزانية حسب القانون[6]“.
وقد تكرر الأمر في جلسة 24 تشرين الثاني 1924 إذ جاء في تقرير لجنة المالية التالي: “وحجة الحكومة في تنظيم الموازنة على الشكل الذي وصل إلينا هي أنها تتقيد بنصوص قانون المحاسبة الموضوع بموجب القرار رقم 2231. وشكوانا نحن أن هذا التقسيم بدعة في أصول المحاسبة وما من حكومة على وجه الأرض تتمشى عليه في وضع موازنتها. فهو يفسح المجال للنظارات ألا تدقق التدقيق الكافي بتنظيم موازنتها الخاصة اعتماداً على ما تتوقعه من إمكان نقل النفقات من تلقاء نفسها. فإذا عرفت أن المجلس بالمرصاد يناقشها الحساب على كل شاردة وواردة، تضطرّ لتقصّي الحقائق فلا تتسرّع بتقدير النفقات. وعسى أن تلبّي المفوضيّة العليا رغبة المجلس فتعدل القرار المذكور بما يتفق مع أمانيه”.
وفي جلسة 5 تشرين الثاني 1925، أعلن مقرّر موازنة وزارة المعارف العمومية صبحي حيدر أن الحكومة لا تزال مصرّة على تقسيم الموازنة كما في السابق “بدلاً من تقسيمها إلى أقسام وفصول وبنود تلبية لرغبة المجلس الذي وضع في ذلك عدة قرارات ذهبت كلها أدراج الرياح”.
وقد ظهر ذلك جليا عندما تمّ اقرار المادة 83 من الدستور، إذ علق النائب يوسف الخازن في جلسة 22 أيار 1926 قائلا: “يجب أن تحدد بندا بندا لئلا يحصل ما حصل قبلا من حيث الفصول”.
ومن الملاحظ أنه بعد إقرار الدستور، باتت الموازنة تقسّم إلى أبواب (رئاسة الجمهورية، مجلس النواب، رئاسة مجلس الوزراء، الوزارات…)، والأبواب تقسّم إلى فصول، والفصول يتمّ توزعيها على بنود. ويقوم مجلس النواب بالتصويت على الموازنة بندا بندا. لكن قانون الموازنة عندما يتم إصداره ينشر في الجريدة الرسمية مع جداول تظهر فيها فقط الاعتمادات المفتوحة لكل باب دون نشر تفاصيل المبالغ المخصصة لكل بند.
لكن مجلس النواب خالف أحيانا هذا الموجب الدستوري بضرورة التصويت على الموانة بندا بندا. ففي جلسة 14 كانون الثاني 1947 نقرأ التالي:
“والآن نبدأ بطرح الجدولين (آ) و(ب) بنداً بنداً.
وزير العدلية ـ لقد طرحت الرئاسة على المجلس المادة التي ورد فيها ذكر هذين الجدولين وصدقت ولا أرى من حاجة إلى تصديقهما بنداً بنداً بل كان الأولى أن تطرح هذه البنود أولاً ثم يصار إلى طرح مشروع القانون. والحكومة لا تمانع في التصديق عليها معاً.
الرئيس ـ هل يرى معالي وزير العدلية أن يطرح الجدولين (أ) و(ب) بأجمعهما للتصديق؟
وزير العدلية ـ نعم.
الرئيس ـ إذن أستشير المجلس فيما إذا كان يريد ذلك، من يقبل بطرح الجدولين (آ) و(ب) على التصويت بأجمعها دون أن يصار إلى التصويت على البنود بنداً بنداً فليرفع يده.
-أكثرية-
الرئيس ـ قبل طرح الجدولين أ و ب على التصويت بأجمعهما”.
وهكذا بدل اقرار كل بند من بنود الموازنة المذكورة في الجداول، تمّ التصويت على هذه الجداول دفعة واحدة دون الدخول في التفاصيل.
لكن هذه السابقة شكلت استثناء. إذ عاد مجلس النواب في السنوات اللاحقة إلى التصويت على الموازنة بندا بندا[7]، علما أنها كانت تنشر في الجريدة الرسمية على شكل جدول عامّ لا يذكر الاعتمادات التي جرى إقراراها لكل بند[8]، هذا مع الإشارة أن هذه الموازانات كانت تنص أحيانا على حق الحكومة بنقل الاعتمادات من بند إلى آخر، وأحيانا من فصل إلى فصل أو حتى من باب إلى آخر ما يطرح علامات استفهام جدية حول دستورية تلك الممارسة على ضوء المبادئ التي أشرنا إليها أعلاه.
وقد كرست مختلف قوانين المحاسبة العمومية المتعاقبة مبدأ تقسيم الموازنة إلى أبواب وفصول وبنود اعتبارا من القانون الصادر في 16 كانون الثاني 1951 الذي حلّ محلّ قرار المفوض السامي رقم 2231 مرورا بالمرسوم الاشتراعي رقم 55 تاريخ 19 أذار 1953 والمرسوم الاشتراعي رقم 10 تاريخ 29 كانون الأول سنة 1954 والمرسوم الإشتراعي رقم 117 تاريخ 12 حزيران 1959 وصولا إلى النص المعمول به حاليا أي المرسوم رقم 14969 تاريخ 30 كانون الأول 1963 الذي وضع موضع التنفيذ قانون المحاسبة العمومية.
ومن الملاحظ أن كل هذه النصوص التشريعية كرّست مبدأ عدم جواز نقل الاعتمادات من بند إلى آخر إلا بقانون كون البنود يتمّ اقرارها في مجلس النواب بعكس الفقرات داخل كل بند التي لا يقرها المجلس. فقد نصت المادة 34 من قانون 1951 على التالي: “مع مراعاة أحكام المادة 85 من الدستور، لا يجوز نقل أي اعتماد في الموازنة من بند الى بند إلا بقانون. أما النقل من فقرة إلى أخرى في البند الواحد، فيجري بقرار من الوزير المختص إلا فيما يتعلق بالاعتمادات المرصدة للأشغال العامة فلا يجوز نقلها من فقرة إلى فقرة إلا بعد إنجاز العمل الذي أرصد له الاعتماد في الفقرة”. وقد تكرر هذا النص بصيغة مشابهة في كل النصوص اللاحقة.
فباستثناء الحالة المكرسة في المادة 85[9] من الدستور، لا يمكن نقل الاعتمادات من بند إلى آخر إلا بقانون عملا بالقاعدة العامة التي كرّستها المادة 83 من الدستور والتي تفرض التصويت على الموازنة بندا بندا. أما نقل الاعتمادات من فقرة إلى أخرى ضمن البند الواحد، فهو جائز بقرار من السلطة التنفيذية كون الفقرات لا تحتاج إلى إقراراها من قبل السلطة التشريعية.
جراء ما تقدم، يتبين لنا أن قوانين المحاسبة العامة على اختلافها هي التي باتت اليوم تحدد عمليا كيفية تبويب الموازنة وتوزيع الاعتمادات على الأبواب والفصول والبنود ومن ثم الفقرات. وبما أن الدستور لا يشرح ما هو المقصود بالتصويت على الموازنة بندا بندا إذ تطلب ذلك منا كل الشرح السابق كي نتوصل إلى إدراك معنى هذا النص انطلاقا من التجربة الفرنسية، لذلك بات النص الدستوري رهينة قانون المحاسبة العمومية إذ ما الذي يمنع من تعديله بحيث تصبح الموازنة تقسم إلى أبواب والأبواب إلى بنود تحل محل الفصول الحالية.
فالمسألة اليوم باتت مسألة إسمية لأن سبب انقسام أبواب الموازنة إلى فصول وبنود ضاع في غياهب النسيان مع مرور الزمن. فنواب المجلس التمثيلي الذين وضعوا الدستور سنة 1926 كانوا يدركون جيدا أهمية هذه الإشكالية ومدى تأثيرها على شفافية الموازنة ودور السلطة التشريعية الرقابي.
لكن هذا الواقع تبدّل: فمن خلال مراقبة عمل مجلس النواب في السنوات الأخيرة يتبين لنا أن هذا الأخير خلال التصويت على الموازنة يكتفي بالتصديق على الفصول التي يتألف منها كل باب بينما لا يتم التصويت على البنود. فعلى سبيل المثال خلال جلسة 16 تموز 2019 لإقرار موازنة 2019 نقرأ التالي في محضر الجلسة:
“ الرئيس:
- الباب (1): رئاسة الجمهورية
- يتلى الفصل (1)
- تلي الفصل (1) الآتي نصه: (مرفق ربطاً).
الرئيس: الموافقة على الفصل (1) برفع الأيدي
- اكثرية
الرئيس: صدق الفصل(1)”
لكن مراجعة الجدول التفصيلي المتعلق بالفصل الأول من الباب الأول يتبين لنا أنه يتألف من ستة بنود لا يتم التصويت عليها بندا بندا. وهنا يظهر التناقض بين الغاية الدستورية وواقع الممارسة. فالتصويت على الفصول فقط يجب أن يعني الاعتمادات يمكن نقلها من بند إلى آخر من دون صدور قانون خاص يجيز ذلك بينما نص قانون المحاسبة العمومية يستمرّ في النص على أن نقل الاعتمادات بين البنود يحتاج إلى قانون وهو الأمر الصحيح من الناحية الدستورية.
لذلك بإمكاننا القول أن قيام مجلس النواب بالتصويت على الفصول فقط دون البنود هو خرق للنص الحرفي للمادة 83 من الدستور. فلو سلّمنا أن الفصول هي غير البنود وأن المسألة ليست مجرد تسمية بل هي تتعلق بضرورة تقسيم الموازنة إلى أقله ثلاثة مستويات (أبواب، فصول، بنود) وأن تدخل السلطة التشريعية يجب أن يمتد إلى البنود ولا يقف عند الفصول، بإمكاننا القول أن طريقة اقرار الموازنة في مجلس النواب باتت مخالفة للدستور ولموجب التصويت بندا بندا.
[1] Tantôt le budget a été voté par ministère, c’est-à-dire que le crédit total affecté à chaque ministère faisait seul l’objet d’un vote distinct et non point les divers chapitres ou articles entre lesquels il se décomposait. La conséquence était que le pouvoir exécutif pouvait alors modifier l’emploi des fonds votés en ce qui concerne les services d’un même ministère, seulement il ne pouvait pas reporter des fonds d’un ministère à un autre. Tantôt, et c’est la règle actuellement suivie, le budget a été voté par chapitres, et alors le pouvoir exécutif ne peut modifier l’affectation des crédits que relativement aux articles contenus dans un même chapitre. On a proposé parfois d’aller plus loin encore et de voter par articles; mais cela semble une précaution inutile, une gêne pour l’administration sans profit pour le pays » (A. Esmein, éléments de droit constitutionnel français et comparé, Sirey, paris, 1921, p.422).
[2] فارس الخوري، موجز في علم المالية، مطبعة الجامعة السورية، دمشق، 1937، ص. 514.
[3] المرسج نفسه، ص. 515.
[4] المرجع نفسه.
[5] وقد أخطأ ادمون رباط عندما اعتبر ان مصدر المادة 83 من الدستور اللبناني هو المادة 138 من الدستور المصري لسنة 1923 لأن هذه المادة تعتمد مبدأ التصويت الفصلي وليس التصويت بندا بندا. ولم يتمكن رباط أصلا من شرح الفرق بين التصويت الفصلي والتصويت بندا بندا إذ الظاهر انه خلط بينهما. أنظر:
Edmond Rabbath, la Constitution Libanaise, Publications de l’Université libanaise, Beyrouth, 1982, p. 502.
[6] والمقصود بالقانون هنا هو قرار المفوض السامي 2231.
[7] علما أن مجلس النواب، لا سيما خلال سنوات الحرب، الأهلية سيعمد إلى التصويت على الموازنة برمتها بمادة وحيدة. وقد جرت محاولة للتصويت على الموازنة بمادة وحيدة خلال جلسة 20 سباط 1969 إذ اعتبر رئيس الحكومة رشيد كرامي التالي: “”اريد ان اقول لكم بان هذا التصويت بندا بندا، انما قد حصل عند بحث الموازنة في اللجنة المالية (…) ولذلك فانني اقول ان المجلس عندما يصوت على تصويت جرى في اللجنة المالية انما يكون قد تقيد بنصوص الدستور وقام بتطبيقه (…) فانني اقول لمجلسكم الكريم، اذا كنا نريد ان نسهل الامر كسبا للوقت، وخاصة معلوم من الجميع ان ليس هناك من سبيل الى تعديل أي بند في الموازنة وعلى هذا الاساس، انني اقول ان تصويت المجلس على تصويت اللجنة المالية، انما يعتبر في الواقع تصويتا دستوريا، كما لو اننا صوتنا بند بندا عليها، لهذا فانني لا ارى اية مخالفة لهذا الناحية”. لكن اعتراض بعض النواب الشديد على ذلك أدى إلى التراجع عن هذا الاقتراح وتم التصويت على الموازنة بندا بندا.
[8] وقد شذ عن تلك الممارسة موازنة عام 1962 حيث تم نشر جداول الموازنة مع تقسيمها إلى فصول ومن ثم تحديد الاعتمادات المرصدة لكل بند، ولم يتم نشر الموازنة مجددا مع جداول تفصيلية تذكر البنود إلا مع موازنة سنة 1991 التي أقرت بمادة وحيدة وصدرت في 7 أيلول 1991. ومنذ ذلك التاريخ باتت الموازنة تنشر بشكل مفصل في الجريدة الرسمية مع تقسيمها إلى أبواب وفصول وبنود. ولا بد من الِاشارة أن موازنة سنة 1997 أدخلت فئة جديدة في تبويب الموازنة بحيث باتت كل بند يدخل في وظيفة عامة تشمل بنود متنوعة موزعة على فصول مختلفة. من الضروري هنا التذكير بأن قانون المحاسبة العمومية منح وزير المالية صلاحية تحديد جدول نموذجي من أجل تقسيم الاعتمادات. وفي هذا الجدول يتم أيضا تقسيم البنود إلى فقرات وأحيانا إلى نبذات عند الضرورة.
[9] “لا يجوز أن يفتح اعتماد استثنائي إلا بقانون خاص. أما اذا دعت ظروف طارئة لنفقـات مستعجلة فيتخـذ رئيس الجمهورية مرسوماً، بنـاء علـى قـرار صـادر عن مجلس الوزراء، بفتح اعتمـادات استثنائية أو إضافية وبنقـل اعتمادات في الموازنة على أن لا تتجاوز هذه الاعتمادات حداً أقصى يحدد في قانون الموازنة· ويجب أن تعرض هذه التدابير على موافقة المجلس في أول عقد يلتئم فيه بعد ذلك”. من الملاحظ أن النص القديم لهذه المادة قبل تعديلها سنة 1990 كان أكثر تشددا إذ نص على ان هذه الاعتمادات التي يتم فتحها أو نقلها بمرسوم لا يمكن أن تتجاوز مبلغ 15000 ليرة بالبند الواحد.