مبادرات مكافحة الاحتكار: جديّة أم مبارزة بين الكتل؟
22/04/2022
على الرغم من صدور قانون حماية المستهلك (رقم 659/2005)، إلا أن هذه الحماية بقيت منتقصة بفعل "الوكالات الحصرية" (التي بقيت مشرعة إلى حين صدور قانون المنافسة في 2022) وفق رئيس جمعيّة حماية المستهلك د. زهير برّو[1] وواقع البنى الاحتكارية المسيطرة على غالبية الأسواق اللبنانية. وعليه، بقي تقويض المنافسة الواسع هو القاعدة المعمول بها في لبنان.
وقد حملت بداية العام 2022 تطوّراً هامّاً على هذا الصعيد، مع تصديق مجلس النوّاب قانون حماية المنافسة، في صيغة شوّهتها اللجان النيابية (وقّعه رئيس الجمهورية في 15/3/2022)، كما أوضح ذلك المرصد البرلماني في سلسلة من المقالات[2]، ممّا حمله إلى اعتبار القانون، على رغم إحرازه تقدّما في تخفيف حماية الوكالات الحصرية دون إلغائها، بمثابة تكريس للاحتكارات وحماية لها.
وفي ظل الأزمات الاقتصادية، الاجتماعية والصحية المتتالية التي تعصف بلبنان منذ تشرين الأول 2019 ولتاريخه، أخذ الاحتكار شكلا أكثر خطورة في سنتي ما بعد الأزمة في ظلّ دعم استيراد المواد الاستهلاكية من احتياطي مصرف لبنان المتمثل في الاحتياطي الإلزامي للودائع. ففي هاتين السنتين، ترافق الاحتكار مع تخزين كمّ كبير من المواد المدعومة بانتظار رفع الدعم أو تهريبها خارج الحدود، مما مكن المحتكرين عمليا من وضع اليد على الدعم الذي انوجد لمساعدة المواطنين كافة في ظل الأزمة التي يعانون منها. وبفعل ذلك، حرم المواطنون من الجزء الأكبر من الدعم واضطروا على خوض تجربة "طوابير الذل" طوال أشهر للحصول على السّلع المحتكرة (كالوقود والدواء...) و. ولم تتحرك السلطات العامة ضد الاحتكارات والتخزين والتهريب إلا مع قرب رفع الدعم أو رفعه نهائيا. وهذا ما فتح الباب أمام عدد من الملاحقات طالت محتكري الوقود (أبرزهم الشقيقين إبراهيم ومارون صقر) ومُحتكري الأدوية (أبرزهم ربيع حسونة وعصام خليفة)، تم توقيفهم لآماد قصيرة بحجّة أنّ القانون يعدّ الاحتكار جنحة لا يمكن الحبس فيها إلا لأيام معدودة.
على أثره، عمد بعض النواب إلى تقديم اقتراحات وصل عددها إلى 9 في عام 2021، منها 4 هدفت إلى مكافحة الاحتكار وتشديد عقوبته، و5 هدفت إلى تحرير الدواء من التمثيل الحصري، وهو أمر فقد من أهميّته مع إقرار "قانون المنافسة" الذي حظر الوكالات الحصرية بكل ما يتصل باستيراد الأدوية أو التجهيزات الطبية.
وقبل المضي في شرح هذه المقترحات، يجدر التذكير بأن غالبها وبخاصة الاقتراحات الخاصة بمكافحة الاحتكار، تم تقديمها خلال الفترة التي شهدت زخما إعلاميا حول ضبط المواد المخزنة وملاحقة الجهات المحتكرة لها، وسط حديث أن العقوبة القصوى لهذا النوع من الجرائم لا تتعدى السنة حبس ولا تسمح تاليا بتوقيف المرتكبين احتياطيا وفق قانون أصول المحاكمات الجزائية. وتأتي هذه الاقتراحات إذاً من منطلق تنافس الكتل الثلاث في إعلان جديّتهما في معالجة هذا الخلل القانوني الذي تفاجأ اللبنانيون به، وبخاصة أن هذا النوع من الجرائم أدّى إلى إذلالهم بصورة جماعية سواء أمام محطات البنزين أو الصيدليات وإلى التسبّب بمضاعفات اجتماعية وصحية جسيمة. وقد بدتْ الكتل التي قدمتها من خلال ذلك وكأنّها تسلّم بأنّ الردع القضائيّ يبقى محدودا في ظلّ القوانين الحاضرة وبأن الحلّ هو تشريعي وهو يهدف ليس إلى تشديد محاسبة احتكارات الماضي بفعل قاعدة عدم رجعية العقوبات بل فقط إلى ضمان عدم تكرارها مستقبلا. وهو أمر ناقضتْه "المفكرة" مذكّرة بأنّ الاحتكار يشمل موادّ مدعومة وبأنه يقع تاليا تحت النصوص التي تجرّم الإثراء غير المشروع والاختلاس.
مكافحة الاحتكار وتشديد عقوبته
تهدف هذه الاقتراحات الأربعة إلى ضبط الأسعار ومكافحة الغلاء وحماية المستهلك من الاحتكار عبر تشديد العقوبات المنصوص عنها في عدة قوانين (منها قانون حماية المستهلك، قانون العقوبات، قانون مزاولة مهنة الصيدلة وقانون حيازة السلع والمواد الحاصلات والاتجار بها) لتصبح رادعة للمحتكرين المخالفين، كما وتحديد ما هي حالات الاحتكار للسلع والخدمات.
تفصيلا، نجد اقتراحين لكتلة التنمية والتحرير، الأول (رقم 972) مقدّم من النائب علي حسن خليل في 1/9/2021 يرمي إلى زيادة الغرامة المالية المنصوص عنها في المادة 685 من قانون العقوبات المتعلّقة بمعاقبة المضاربات غير المشروعة[3] لتتراوح من "20 ضعف الحدّ الأدنى للأجور إلى مئة ضعف الحد الأدنى للأجور"[4]، كما وتضمينها الاحتكار للسلع والخدمات "أيا كان نوعها" مع تحديدها (أي أنواع الاحتكارات). كما يشدّد الاقتراح العقوبات المنصوص عنها في المادتين 14 (التي تعدّد أنواع الاحتكارات) و34 (التي تنص على العقوبات المتعلّقة بها) من قانون حيازة السلع والمواد والحاصلات والاتجار بها (73/83). وأخيرا، يعدّل المادة 88 من قانون مزاولة مهنة الصيدلة المتعلّقة بالتمنّع عن بيع الأدوية أو إقفال المحال دون إذن من وزارة الصحة العامة[5]، عبر تحديد أنواع الاحتكار وحالات تشديد العقوبة المنصوص عنها في هذه المادة.
أما الثاني (979) فقدّمه النائبان فادي علامة وابراهيم عازار في 16/9/2021، وهو يرمي إلى تعديل المادة 74 من قانون حماية المستهلك عبر تشديد العقوبات (فرض غرامات مالية، إقفال محل المخالف ومضاعفة الغرامة في حال التكرار) التي يمكن أن تتضمّنها المحاضر التي يسطّرها الموظّفون المكلّفون بمهام ضبط المخالفات لقانون حماية المستهلك وقانون حيازة السلع والمواد والحاصلات والاتجار بها (73/1973) وفي حالات الاحتكار والتلاعب بالأسعار وتجاوز الأسعار المحددة أصولاً. وقد برّرت الأسباب الموجبة هذه التعديلات بأن "المحاضر الحالية غير رادعة للمخالفين وهي مجرّد إحالات إلى القضاء".
كما نجد الاقتراح (رقم 973) المقدّم من ستة نواب من كتلة الجمهورية القوية في 31/8/2021 ويرمي إلى تشديد عقوبة الاحتكار والمضاربات غير المشروعة المنصوص عنها في المادة 34 من المرسوم الاشتراعي 73/83[6] لتصبح الحبس بين سنتين وسبع سنوات إضافةً إلى غرامة تُعادل قيمة المضبوطات.
وأخيرا، نجد الاقتراح (رقم 968) المقدّم من ستة نواب من كتلة لبنان القوي[7] في 30/8/2021 ويرمي إلى اعتبار جرائم الاحتكار والتخزين وعدم تصريف المواد من "الجنايات الاقتصادية الخطرة" على أن يعاقب الفاعلون والمتدّخلون والمحرّضون وكاتمو المعلومات والمخبّئون بعقوبة الأشغال الشاقة لمدّة تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات، إضافةً إلى غرامة لا تقل قيمتها عن قيمة البضائع المضبوطة.
تحرير الدواء من التمثيل الحصري
تسببت الأزمة الاقتصادية والمالية - وما ترافق معها من تدنّ للعملة الوطنية - واحتكار الأدوية والمستلزمات الطبية، إلى حرمان أكثرية المواطنين من الحصول على هذه الأدوية والمستلزمات إما لعدم توفّرها في الصيدليات، إما بسبب ارتفاع سعرها بشكل خيالي وتخطيها قدرتهم الشرائية في السوق السوداء.
على أثره، برزت خلال سنة 2021 ضرورة لتحرير هذه المنتجات من التمثيل الحصري واستثنائها منه، لتخفيف مخاطر احتكارها، صوناً لحقّ الصحة، وحقّ المواطن بالوصول إلى الدواء بشكل منتظم وبكلفة أقلّ.
ونجد هنا ثلاثة اقتراحات ترمي إلى تعديل المادة الثانية[8] من قانون التمثيل التجاري (34/67) لاستثناء الدواء منه، كما وإلغاء وكالات الاستيراد الحصرية بشأنه.
الاقتراح الأول مقدّم من النائب طوني فرنجية في 29/4/2021. ومما جاء في الأسباب الموجبة أن الأرقام تشير إلى وجود 11 مستوردا للأدوية يسيطرون على 80% من سوق الدواء، كما وأن التمثيل التجاري الحصري يشجع الاحتكار ويؤثر على جودة المنتج. كما أشارت الأسباب الموجبة إلى عدم وجود سياسة دوائية وطنية في لبنان. أما الثاني فمقدم من النائب قيصر المعلوف في 28/9/2021. أما الثالث فمقدّم من النائبة عناية عز الدين في 30/8/2021 التي لم تكتفِ باستثناء الدواء فقط من التمثيل التجاري - كما فعل زميلاها - بل أضافت عليه المستلزمات الطبية، كما وألغت بنود الحصرية المتعلّقة بها. كما ضمّنت النائبة عناية عز الدين في اقتراحها مفهوم "الاستيراد الطارىء للأدوية[9] وعرّفته وحدّدت شروطه، كما عدّلت بعض مواد[10] قانون مزاولة مهنة الصيدلة لتضمينها فيه. ودُرس الاقتراح الأخير (بدءاً من 1/12/2021) مع اقتراح قانون المنافسة في فرعية اللجان المشتركة (وصُدّق الأخير في بداية عام 2022).
الملفت أن النائبة عناية عز الدين عادت وتقدّمت في 15/12/2021 باقتراحين عمدتْ فيهما إلى فصل تعديل المادة 2 من قانون التمثيل الحصري (موضوع الاقتراح الاول) وتعديل قانون مزاولة مهنة الصيدلة لتضمينه "الاستيراد الطارىء للأدوية" (موضوع الاقتراح الثاني).
وتعتبر هذه الاقتراحات جيدة إذ تعزّز الوصول إلى الدواء والمستلزمات الطبية عبر التمهيد لتخفيض أسعارها من خلال تشريع أبواب المنافسة في استيرادها. غير أنها فقدت من أهميّتها مع إقرار قانون المنافسة الذي تضمّن تخفيف حماية الوكالات الحصرية، كما أسلفنا.
لتحميل:
اقتراح مكافحة المضاربات غير المشروعة وجرائم الاحتكار وتشديد العقوبة عليها
اقتراح قانون لتعديل أحكام قانون العقوبات وقانون مزاولة مهنة الصيدلة
اقتراح حول ضبط الأسعار ومكافحة الغلاء وحماية المستهلك
اقتراح تعديل قانون التمثيل التجاري
اقتراح تحرير استرداد الأدوية والمستلزمات الطبية ورفع الاحتكار عنه
اقتراح قانون بإلغاء الوكالة الحصرية