محاولة جديدة منقوصة للحدّ من اختصاص المحكمة العسكريّة
15/04/2022
هذه المقالة هي جزء من سلسلة مقالات ينشرها المرصد البرلماني في الأيام المقبلة لتقييم أبرز اقتراحات قوانين 2021 التي لم تُدرج على جدول أعمال الهيئة العامة لمجلس النواب. وتمّ اختيار الاقتراحات هذه بناء على أهميّتها أو خطورتها، واختيار الاقتراحات هذه أتى بناء على أهميّتها أو خطورتها، ولأنها لم تكن مشمولة ضمن تقييم المرصد لجَلسات الهيئة العامة.
تقدّم النائب بلال عبد الله في تاريخ 16 شباط 2021 باقتراح قانون لتعديل بعض مواد قانون القضاء العسكري، بهدف الحدّ من صلاحية الأخير في محاكمة المدنيين. وللتذكير، كان قد سيق أمام القضاء العسكري عشرات المتظاهرين في انتفاضة 17 تشرين الأول 2019 لمحاكمتهم، وذلك في ظلّ اعتراضات عارمة من منظمات المجتمع المدني والهيئات الحقوقية على صلاحية القضاء العسكري في محاكمة المدنيين كما وجود شبهات باستعمال هذا القضاء الاستثنائي كأداة لِلَجم التظاهرات والتحركات الشعبية المعارضة.
ويجدر التذكير هنا بأنه خلال السنوات الأخيرة تمّ تقديم عدّة اقتراحات في هذا المجال، أهمّها اقتراح النائب السابق إيلي كيروز سنة 2013 والذي كانت المفكرة القانونية تناولته في مقال سابق لها معتبرة أنه الأكثر ملاءمة لجهة حصر اختصاص القضاء العسكريّ بالجرائم العسكرية.
أمّا النائب سامي الجميّل فكان قد تقدم سنة 2016 باقتراح في الموضوع نفسه أفرغ فيه القضاء العسكري من بعض صلاحياته، مقللا من مثول المدنيين أمامه، لكن من دون إلغاء هذه الإمكانية بالكامل.
أمّا النائبة بولا يعقوبيان ، وبعد الحكم على الصحافي آدم شمس الدين بالسجن من قبل القاضي المنفرد العسكري سنة 2019، فتقدّمت باقتراح "قانون آدم" كردّة فعل على ملاحقة المدنيين وخصوصاً الصحافيين من قبل القضاء العسكري وفصّلته المفكرة القانونية في مقال سابق لها.
وأخيراً، نذكّر بمسودة مشروع قانون أعدّها وزير العدل السابق أشرف ريفي والرامي إلى إنشاء قضاء متخصّص بجرائم الإرهاب. وهدف هذا المشروع إلى استحداث قضاء متخصص جديد لمحاكمة الجرائم الإرهابية والجرائم الكبرى الأخرى، وهو الأمر الذي حذّرت "المفكّرة" منه لما يحمل في طيّاته من خطورة إنشاء منظومة جديدة من القضاء الاستثنائي. وما زاد المشروع المذكور قابلية للانتقاد هو التعريف الواسع الذي تضمنه للعمل الإرهابي.
وبالعودة إلى تفاصيل اقتراح النائب عبد الله، فقد ذهب في اتجاه تعديل المادتين 24 و27 من قانون القضاء العسكري اللتين تحددان صلاحية القضاء العسكري، كما المادة 25 المتعلّقة بالاستماع إلى مقدّم الشكوى.
ففيما خصّ المادة 24 المتعلقة بالصلاحية النوعية، ينزع الاقتراح من صلاحيات القضاء العسكري النظر بجرائم الخيانة والتجسس والصلات بالعدو، كما النظر بالجرائم المتعلقة بالأسلحة والذخائر المنصوص عليها في قانون الأسلحة والذخائر لجعلها من اختصاص المحاكم العدلية. ويكمل الاقتراح أيضاً بتعديل البند الرابع من المادة المذكورة بحيث يحصر الملاحقة في الجرائم الواقعة على شخص العسكريين بتلك المتعلقّة بوظيفتهم العسكرية وكذلك الحال بالنسبة لعناصر قوى الأمن والأمن العام. ومن شأن ذلك أن يخرج من اختصاص المحكمة العسكرية كل الجرائم التي قد تصيب هؤلاء خارج نطاق وظيفتهم مما يقلل من احتمالات محاكمة جرائم عادية من قبلها. لكن المقترح لا يمس بالمقابل باختصاص خطير فضفاض منح للقضاء العسكري، ويتصل بجميع الجرائم مهما كان نوعها، التي تمسّ بمصالح الجيش أو قوى الأمن الداخلي أو الأمن العام. فإنّ هذا البند بشموله الفضفاض لجميع أنواع الجرائم، وبعبارته المطّاطة المتعلّقة بمصالح الجيش، أضحى من الوسائل الفضلى لمفّوض الحكومة العسكري في الادعاء على المدنيين، خصوصاً المتظاهرين منهم لسبب أو لآخر. كما أنّ المقترح يبقي على البند الرابع المتعلّق بالجرائم المرتكبة في المعسكرات والمؤسسات والثكنات العسكرية على حاله، أي يبقي المجال متاحاً أمام محاكمة أي مدني يرتكب هذه الجرائم أمام القضاء العسكري.
أمّا بالنسبة للمادة 27 من القانون المتعلّقة بالصلاحية الشخصية، فإنّ الاقتراح يدخل عليها تعديلاً جوهريًّا بحيث ينص أنه لا تكفي الصفة العسكريّة لعقد صلاحية القضاء العسكري بل يجب أن تكون الجريمة الملاحقة مرتبطة بالوظيفة العسكرية. فيصبح إذاً العسكري تحت الملاحقة أمام القضاء العسكري فقط عند ارتكابه جرماً متعلقاً بوظيفته العسكريّة. نتيجةً لهذا التعديل، تخرج مثلاً عن اختصاص القضاء العسكري جرائم العنف الأسري عندما يكون أحد الزوجين عسكريًّا، وهذا توجه إيجابي نظراً إلى عدم الملائمة الفاضح لملاحقة هذا النوع من الجرائم أمام القضاء العسكري، نظراً لانعدام الإمكانيات البشريّة والقانونيّة الضرورية لمعالجتها لديه. ولكن من المؤسف عدم معالجة الاقتراح البند السادس من المادة 27 المتعلّق بالفاعل الأصلي أو الشريك أو المتدخل أو المحرّض والذي بموجبه يتم استدعاء المدنيين أمام القضاء العسكري إذا كان من بين المرتكبين للجريمة شخص ذو صفة عسكريّة. وإن كان من المهم التذكير هنا بانحسار هذه الفرضية نظراً إلى التعديل الذي خصر الصلاحية هنا فقط بالجرائم المرتبطة بالوظيفة العسكريّة. وتجدر الإشارة إلى أن الاقتراح عمد أيضاً إلى إلغاء صلاحية القضاء العسكري بمحاكمة الأسرى، مبعداً هذه الفئة إذاً من الصلاحية الشخصية للمحكمة.
أمّا بالنسبة إلى المادة 25، فقد حذف المقترح عبارة: "لا يجوز استماع الشاكي إلّا على سبيل المعلومات". إلا أنه فعل ذلك من دون معالجة إشكاليّة عدم تكمّن الضحايا من اتخاذ صفة الادعاء الشخصي أمام القضاء العسكري.
في خلاصة الأمر يتبيّن لنا أنّ اقتراح النائب بلال عبدالله يشكلّ حلّا جزئياً غير متكامل لمعضلة محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري. فإنه وبالرغم من إزالته كلّ الجرائم غير المتعلّقة بالوظيفة العسكريّة من نطاق صلاحية القضاء العسكري ممّا يشكّل توجها إيجابيا، إلّا أنه وفي نهاية المطاف، لا يحدّ بشكل كامل من الحالات التي قد يلاحق فيها مدنيون أمام القضاء العسكري – كما كان قد فعل اقتراح كيروز – مع ما في ذلك من مساس بضمانات المحاكمة العادلة وبمبدأ القاضي الطبيعي.
يصحّ القول إنّ هذا التعديل يساهم بتخفيف الاحتقان بين المواطنين العاديين والعسكريين الذي يعمد بعضهم إلى استثمار فائض قوّتهم وأحياناً أسلحتهم في خلافاتهم الشخصيّة، لكنّه بالمقابل لا يعالج مسألة توقيف المدنيين في المظاهرات أو عند ابدائهم آراء معارضة للحكم عبر أي وسيلة إعلامية او تواصلية، وهو ما كان أصلاً قد استدعى الحاجة الملحّة إلى تعديل أصول القضاء العسكري بعد انتفاضة 17 تشرين الأوّل 2019. فضلاً عن أنّ الاقتراح لا يتضمن أي تعديل لجهة تركيبة المحاكم العسكرية أو يسمح بالحدّ من التعسّف بالادعاء من قبل النيابة العامة العسكريّة من دون دليل أو بإضافة جرائم عاديّة لا تدخل ضمن نطاق القضاء العسكري وهذا ما شهدته المحاكم العسكريّة بكثافة في الآونة الأخيرة.
لتحميل اقتراح تعديل القانون العسكري