مشروع قانون البطاقة التمويلية أو تسليح المواطنين بالفراغ لمجابهة الانهيار

المفكرة القانونية

30/06/2021

انشر المقال
أعلن مكتب المجلس النيابي عن انعقاد جلستي تشريع يومي 30 حزيران و1 تموز 2021 بجدول أعمال يضمّ 76 بنداً. تأتي الجلسة في ظل استمرار سياسة "السقوط الحرّ" التي يعتمدها النظام في إدارة الأزمات غير المسبوقة بخطورتها التي يواجهها لبنان، النقدية والمالية والاقتصادية والاجتماعية والتي أتت جائحة كورونا وانفجار 4 آب لتزيد من تداعياتها الجسيمة على المجتمع. وكالسلطات الأخرى، يبدو المشرّع ماضياً في تجاهل المخاطر المحدقة، حيث تغيب مرّة جديدة أيّ رؤية واضحة لديه لمعالجة الأزمات. أكثر المقترحات انتظارا على جدول الأعمال، مشروع قانون معجل يرمي إلى إقرار البطاقة التمويلية وفتح اعتماد إضافي استثنائي لتمويلها. وكان رئيس الجمهورية قد أحاله بموجب مرسوم رقم 7797 بتاريخ 26/5/2021. يأتي المشروع في ظل محاولات "السلطة" معالجة تداعيات "رفع الدعم" نتيجة ذوبان احتياطي المصرف المركزي بالعملات الأجنبية الذي بدأ يرخي بمفاعيله وينبئ بانفجار اجتماعي كبير. يأتي المشروع بحسب الحكومة لاستكمال مشروعي "شبكة الأمان الاجماعي للاستجابة لجائحة كوفيد-19 والأزمة الاقتصادية" (ESSN) الممول بموجب اتفاقية قرض بين لبنان والبنك الدولي للإنشاء والتعمير والبالغ قيمته 246 مليون دولار أمريكي، والذي صادق عليه المجلس النيابي في جلسة 12/3/2021 ولا يزال معطّلاّ حتى اليوم، والبرنامج الوطني لاستهداف العائلات الأكثر فقرا (NPTP). يأتي إذاً المشروع بمثابة اعتراف بتوسّع رقعة الفقر في لبنان نتيجة فشل منظومة تتبرأ منها الحكومة على اعتبار نفسها "حكومة مواجهة التحديات"، وفي تطلّع منها لتحقيق "العدالة الاجتماعية بين العائلات الفقيرة وتلك الأكثر فقرا" كما جاء في مقدمة المشروع. ويجيز المشروع للحكومة إصدار بطاقة تمويلية، لمدة سنة كاملة، عبارة عن مساعدة مالية شهرية بمبلغ قيمته الوسطيّة 137 دولار أمريكي أي ما يعادل 207,555 ألف ليرة لبنانية، مما يفهم معه اعتماد سعر الصرف 1515 ل.ل. مقابل الدولار الواحد. فترتفع قيمة الشمروع إلى 1,235 مليون دولار أمريكي أي ما يعادل 1,871,025,000,000 ليرة لبنانية. ويزعم المشروع أنه سيغطي حوالي 750 ألف عائلة لبنانية (والذين يشكلون 75% من عدد عائلات لبنان الأكثر حاجة بحسب تقديرات البنك الدولي). وبهدف تمويله، يعمد إلى افتتاح اعتماد إضافي استثنائي له بقيمة 1,235 مليون دولار أمريكي أي ما يعادل 1,871,025,000,000 ليرة لبنانية في الموازنة العامة لعام 2021 ويدّون فيها وفقا لما تنصّ عليه المادة 12 من قانون الموازنة العامة في البند 2 تحت خانة "عطاءات إلى جهات خاصة". أي سعر صرف للمساعدات؟ تكمن الإشكالية الأساسية في هذا المشروع، في التناقض والتضارب الموجودين حيال قسمة المساعدات: فمن جهة أولى، أشار مشروع الحكومة في مادته الأولى إلى قيمة المساعدة في البطاقة التمويلية بالدولار الأمريكي وأشار إلى القيمة بالليرة اللبنانية على سعر الصرف الرسمي أي 1515 ليرة لبنانية. غير أنه عاد وذكر في الأسباب الموجبة أن المضي باقتراح الحكومة "يستوجب دعما ماليا بالدولار الأمريكي والذي، وفي حال توافره في السوق من خلال البطاقة التمويلية، من شأنه التخفيف من حدّة ارتفاع سعر الصرف (...) والحدّ من التضخم الذي سيحصل في حال توزيع 14,4 تريليون ليرة لبنانية بدلا من الدولار ". وتضيف الحكومة "في حال ضخّ غير مباشرة 103 مليون دولار أمريكي شهريا أو 1,235 مليار دولار أمريكي سنويا إلى السوق ذلك سيساهم في تقليص هامش سعر الصرف الذي سيؤدي بالتالي إلى تراجع أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية".

ومن جهة ثانية، أشار المشروع في ختام التقرير المرفق به إلى أن "سعر صرف الدولار الخاص بالبطاقة التمويلية سيحدد ربطا بسعر المنصة الخاص التي أعلن عنها مصرف لبنان"، "على أن تصدر لاحقا التعاميم اللازمة بهذا الخصوص".

ويؤكد كل ما سبق على أمرين: - عدم إمكانية الدفع بالعملة الصعبة لعدم توفر دعم مالي بالدولار الأمريكي وبالتالي دفع المساعدات بالليرة اللبنانية. - أنه وفي حال أمّنت الحكومة مساعدات بالدولار، لن تصل إلى المستفيدين بالدولار، إذ سيجري ضخ هذه القيمة بشكل "غير مباشر". ويظهر بالتالي الوهم الكبير المسوّق له من خلال البطاقات التمويلية والوعد بألا يأتي "رفع الدعم" دون توفير المساعدات والحدّ من استنزاف القدرة الشرائية للمواطن: فالقيمة المتوسطة الفعلية للبطاقة الشهرية على سعر صرف اليوم (والمتوقّع أن يكمل انحداره) لا يتعدّى 12.2 دولاراً في الشهر. ويظهر إذاً مشروع الحكومة بمثابة هروب إلى الأمام، ولا يقدّم أي رؤية أو حل للخروج من الحلقة المفرغة وهي ارتفاع سعر الدولار الأمريكي، وتضخم الليرة اللبنانية وتآكل القدرة الشرائية للمواطنين. إشكاليات مشتركة لمشاريع البطاقة التمويلية بالإضافة إلى ذلك، تنسحب على مشروع البطاقة التمويلية الجديد، الإشكاليات نفسها التي تعتري بشكل عام برامج البطاقة التمويلية التي ترافق "رفع" الدعم، والتي سبق للمفكرة القانونية أن أثارتها بمناسبة الورقة الحكومية القدّمة ل"ترشيد الدعم". وأبرز هذه الإشكاليات:
  • ضبابية في معايير الاستفادة من البطاقة التمويلية: نصّ المشروع على أن البطاقة التمويلية ستغطي 750 ألف عائلة دون تقديم أي معيار أو توضيح إضافي. ويكتفي المشروع بالإشارة إلى أن طلب الاستفادة يحصل وفق معايير وآلية توضع بقرار مشترك بين وزراء المالية والشؤون الاجتماعية والاقتصاد والتجارة. غير أن اللافت هنا فرض المشروع على كل مستفيد من البطاقة رفع السرية المصرفية عن حساباته.
ومن الممكن التوجّس من آلية تحديد المستفيدين بالنظر إلى عدم توفّر المعلومات والاحصاءات الدقيقة لدى الدولة، كما بالنظر إلى ما سبق من تجارب في المجال، مع لعب دور الأحزاب والزعامات الطائفية دوراً في هذا المجال إنعاشاً لقنوات الزبائنية.
  • غياب معايير الإدارة الرشيدة للبرنامج: لا يوفّر مشروع الحكومة أية معطيات حول الجهة المولجة إدارة البرنامج والمعايير التي يقتضي التقيّد بها، مما يحمل هنا أيضاً على التوجّس من يد طولى للأحزاب والزعامات الطائفية في إدارة البرنامج كما جميع البرامج المشابهة إنعاشاً لقنوات الزبائنية، وبعيداً عن معايير الإدارة الرشيدة والشفافة.
  • إقصاء المقيمين غير اللبنانيين من الاستفادة من البطاقات التمويلية: حدّد مشروع الحكومة مساعدة العائلات اللبنانية دون التطرق إلى غير اللبنانيين.
  • غياب استدامة البرنامج: تماما كالورقة الحكومية لترشيد الدعم، لا تقدّم البطاقة التمويلية أي إيضاح لسبل تمويل البرنامج للسنوات ما بعد 2021، في حين أن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية مرشّحة لأن تستمر لفترة طويلة الأمد (أقلّه 5 أو 10 سنوات). كما لا تقدّم الخطة أي استراتيجية للخروج من البرنامج. ومن المعلوم أن أبرز إشكاليات برامج البطاقات التمويلية هي تأمين سبل لخروج تدريجي منه للمستفيدين.