"المفكرة القانونية" تجول بين مكاتب القمار الإلكتروني: البحث عن الحمايات السياسية

إيلي الفرزلي

09/05/2024

انشر المقال

استكمالاً للإحاطة التي بدأتْها "المفكّرة القانونية" في مسألة القمار الإلكتروني، من خلال تسليط الضوء على اقتراحيْ قانون قُدّما إلى المجلس النيابي لمعالجة هذه الآفة التي تنتشر بشكل واسع بين الناس، عمدت إلى التواصل مع عدد من أصحاب مكاتب المراهنات ومع مراهنين "محترفين" للوقوف على أسباب هذا الانتشار.

انطلقت الجولة في أحد الأحياء البيروتية. خلال دقائق، تمّ رصد 7 مقاهٍ في منطقة لا تتجاوز مساحتها الكيلومتر المربع. الملاحظة الأولى هي أن هذا القطاع لا يدار في السرّ، بالرغم من أنّه مخالف للقانون. علناً تجري المراهنات وعلى عينك يا تاجر. افتراض أن هذه المقاهي تملك حمايات سياسية وأمنيّة يصبح بديهياً عند رؤية الزبائن يدخلون ويخرجون من المقهى من دون أي محاولة للتوريّة، حتى أنهم يستفيضون في الحديث، عند سؤالهم، عن تفاصيل الرهان الذي وضعه للتوّ. الشكّ بوجود الحماية يتأكّد سريعاً على لسان أحد العاملين: "الإمّاية"، كما يسمى رؤوس شبكات المقامرة (يستعمل المصطلح شعبياً أيضاً للدلالة على المزوّد الرئيسي للمياه والذي يتفرّع منه عدد من المواسير وعيارات المياه التي تصل إلى الأبنية)، عندما يُقدّم عرضه لأي وسيط مُحتمل يكون شاملاً الحماية أيضاً. أحد هؤلاء يقول إنه عندما عرض عليه فتح مكتب المراهنة، كان الاتّفاق يشير إلى تزويده بالنظام الخاص بالمراهنات، والأموال اللازمة لتشغيلها، إضافة إلى الحماية التي تضمن عدم تعرّض السّلطات له.

التوسّع في الجولة يقود إلى إحدى المسلّمات التي يُدركها المراهنون. فهؤلاء قادرون على تعداد مكاتب المراهنة في كلّ الأحياء، حيث يتبيّن بالفعل أنّ كل حيّ يضمّ 5 مكاتب على الأقلّ، وبعضها على طرق عامّة وواضحة للعيان. واللافت أن أغلبها يبدو متشابهاً بالشكل: فأمام المحلّ ماكينة قهوة كبيرة وداخله أجهزة كمبيوتر وموظّفون يؤمّنون خدمات المراهنة أو ما يسمى بقطع الأوراق.

هنا يبدو السؤال بديهياً عن "إنجاز" القوى الأمنيّة حجب 650 موقعاً للقمار. إذ أنّ إقفال هذه المواقع يبدو فلكلورياً عندما تدرك أن أحداً لم يتعرّض لمواقع إلكترونية معروفة على نطاق واسع بين "اللعّيبة"، وتستقطب النسبة الأكبر من المراهنات حالياً هي lavabet وonemillion وlirabet. واللافت أنّ مؤسسي هذه المواقع لبنانيون قاموا بإنشائها خارج لبنان وبدؤوا بتشغيلها من لبنان مستعينين بشبكة ضخمة من المكاتب والوسطاء (بعضهم يعمل عبر الهاتف فقط) مهمتهم تأمين المراهنات مُقابل أرباح ضخمة. فحصّة الوسيط واضحة وهي تبدأ بالحصول على دولار واحد عن كل "ورقة" تُقطع للمقامر (سمّيت بهذا الاسم لكون المُراهن يكتب على ورقة أسماء الفرق التي يراهن عليها والنتائج التي يتوقعها، ويسلمها للوسيط، الذي يسجل هذه التوقعات على النظام الخاص بالمراهنة، ثم يصدر ورقة مطبوعة توثّق الرهان وقيمته والربح الذي يمكن تحقيقه في حال أصاب الرهان).

بعد قطع الورقة، تنتظر نتيجة الرهان، وفي حال فوز أحدهم يحسم الوسيط منه 6%، هي حصته، ثم يسلمه الباقي مباشرة. أما المبالغ الأخرى المحصّلة من الرهانات الخاسرة، فتُسلّم كل شهر إلى "الإمّاية" الذي يعود ويسلّم الوسيط 40% من إجمالي المبلغ، فيما يحتفظ لنفسه بال 60%.

اللافت أنّ هؤلاء الحيتان الذين يتردّد أنّهم لا يزيد عددهم عن 5 أشخاص، كما يقول المدير العام لكازينو لبنان رولان خوري، معروفون لدى السلطات، وسبق أن وقّعوا تعهدات بعدم العمل في القمار، ثم عادوا بعد ذلك إلى العمل من دون أي مضايقة. وبالرغم من أن كازينو لبنان وجد نفسه في وضع يجبره على التعاون مع السوق السوداء ليكون له مكان في القطاع، فإنّ مكاتب المراهنات تفضّل حثّ المقامرين على اللعب في المواقع الأخرى، أولاً لأن ربحهم منها أعلى وثانياً لأن المنصّة التي يديرها كازينو لبنان (BetArabia) "معقّدة بالمقارنة مع المواقع الأخرى (يذكر أن الكازينو متعاقد مع شركة لإدارة القمار الإلكترونيّ لديه، يتردّد أن أصحابها من السياسيين المعروفين). يذكر هنا أن الحصول على الورقة ليس الوسيلة الوحيدة للرهان، ومن يرغب بالمراهنة بنفسه، يحصل على حساب خاص به على الموقع، على أن يغذّي الحساب بالأموال من خلال تسديدها للوسيط أيضاً. وفيما يحتاج من يقامر مباشرة عبر مواقع أجنبية إلى بطاقة ائتمان، ابتدعتْ بعض هذه المواقع أساليب أخرى للتواصل مع المراهنين، كما يحصل على سبيل المثال في موقع 1XBET، الذي يرسل للمُراهن في كل رهان رقم هاتف مختلف، يطلب إرسال الأموال إليه عبر أي من مكاتب Wish Money.

صحيح أن المراهنات الرياضية تستحوذ على النسبة الأكبر من القمار الإلكتروني، إلا أن ألعاب القمار التقليديّة تبقى المفضّلة من المدمنين. يقول أحدهم إنه يراهن على كرة القدم لكي يربح أموالاً تسمح له بلعب الروليت أو البلاك جاك أو غيرها. ويوضح إن انتظار يوم كامل لتلعب مباراة وتعرف إحصاءاتها لا يناسب الحاجة الماسّة إلى المقامرة، فيكون البديل هو الألعاب المباشرة التي تظهر نتيجتها في الوقت نفسه. هنا، يتجادل لاعبان بشأن اعتبار المراهنة على الأحداث الرياضية ليست قماراً. النقاش بينهما يطول في مسعى من أحدهما لإبعاد "التهمة" عنه. لكن مرة جديدة يحسم قانون العقوبات ذلك في التعريف الوارد لألعاب القمار في المادة 632 (الألعاب التي يتسلط فيها الحظ على الفطنة والمهارة). فإذا كانت المهارة أو المتابعة للأحداث الرياضية يمكن أن تسمح للمُراهن تقدير نتيجة المباراة أو عدد الأهداف، فهي حكماً لن تفيد عند الحديث عن مئات الرهانات المتاحة في كل مباراة. على سبيل المثال، تطال هذه الرهانات اسم الفريق الذي يستحوذ على ركلة البداية (تحدد في المباراة عبر رمي الحكم لعملة معدنية في الهواء)، عدد الركلات الركنية، عدد الكرات التي تصيب العارضة، عدد البطاقات الصفراء والحمراء، عدد التمريرات، عدد الأهداف المسجلة بالخطأ… وغيرها الكثير من الإحصاءات التي يستقطب الرهان عليها من لم يسبق له أن تابع مباراة لكرة القدم.