لباس دستوريّ لإبقاء قائد الجيش في منصبه: تأخير سن التقاعد لجميع الموظفين
07/11/2024
تقدم النائب جهاد الصمد باقتراح قانون معجل مكرر يهدف إلى التمديد بصورة استثنائية "لمن يرغب من القطاع العام" لمدة سنة واحدة من تاريخ إحالتهم على التقاعد على أن يكونوا في الخدمة الفعلية بتاريخ صدور القانون، مشيرًا في متن الاقتراح إلى الجهات المستفيدة من هذا التمديد وهي الادارات والمؤسسات العامة والمختلطة والأجهزة القضائية والجامعة اللبنانية وعناصر وضباط الأجهزة الأمنية والعسكرية.
ويبرّر النائب الصمد هذا التمديد الشامل في الأسباب الموجبة للاقتراح على أنّه نتيجة للعدوان الإسرائيلي على لبنان و"الآثار المترتبة على هذا الأمر اجتماعيًّا وماليًّا"، وانعدام "القدرة على تأمين بدائل للشواغر التي تحصل في معظم الإدارات والمؤسسات وانعكاسها على الإنتاجية نتيجة عدم التوظيف".
كما أشارت الأسباب الموجبة إلى عدم تعديل كيفية احتساب تعويضات نهاية الخدمة "بما يؤثر على الأوضاع الاجتماعية للمتقاعدين ولإعطاء الفرصة لتسوية أوضاعهم". بالإضافة إلى ذلك، برر الاقتراح شموله جميع العاملين في القطاع العام بمبدأ "الحفاظ على شموليّة أي قانون أو قرار يطال أي قطاع من القطاعات".
يستدعي هذا الاقتراح الملاحظات التالية :
الطبيعة الاستثنائية للاقتراح
لا بد من الإشارة أولا أن الاقتراح الحالي يأتي في خضّم الحركة النيابية المستجدّة من أجل ضمان التمديد لقائد الجيش جوزيف عون في منصبه لسنة إضافيّة بعد التمديد الذي أقرّه مجلس النواب في نهاية العام 2023. وعلى الرغم من أن هذا الاقتراح يختلف عن الاقتراح الذي تقدم به النائب جورج عدوان كونه يهدف إلى تمكين جميع العاملين في الإدارة والمؤسسات العامة والقضاء والأسلاك العسكرية من الاستفادة من إمكانية التمديد لسنة واحدة، لكنه يتفق معه فيما يتصل بالسماح لقائد الجيش الحالي بالبقاء في منصبه لمدة سنة إضافية.
لكن الاختلاف الأبرز بين الاقتراحين هو أن اقتراح النائب عدوان اتّسم بالديمومة كونه قضى بتعديل سنّ التسريح الحكمي لقائد الجيش بينما الاقتراح الحالي هو استثنائي في أحكامه كونه سيطبق في حال إقراره لمرة واحدة فقط. فالتذرع بالظروف الاستثنائية ورد في الاقتراحين لكن أولهما عالج الوضع بإدخال تعديلات دائمة على قانون الدفاع الوطني بينما الاقتراح الثاني عالج ذلك بتدبير مؤقت.
استدراك الطعن بدستورية القانون من خلال احترام مبدأي العمومية والمساواة
اتخذ هذا الاقتراح منحًى أكثر شموليّة من القانون الذي أقرّه المجلس النيابي السنة الماضية والذي حصر تمديد سنّ التقاعد بقادة الأجهزة الأمنية العسكريين الذين يحملون رتبة عماد أو لواء. بينما الاقتراح الحاليّ ينصّ على استفادة جميع العاملين في القطاع العام من التمديد ويعدّد الجهات المعنيّة وهي الإدارات والمؤسسات العامة والمختلطة والأجهزة القضائية والجامعة اللبنانية وعناصر وضباط الأجهزة الأمنية والعسكرية.
ولا شك أن الهدف من وراء هذه الشموليّة هو تفادي الطعن بدستورية القانون في حال إقراره على غرار الطعن بقانون التمديد الصادر عام 2023 والذي لم يبتّ به المجلس الدستوري بسبب عدم تأمين النصاب. وكان النواب حينها قد أعابوا على القانون حصر الاستفادة من التمديد بعدد محدد من القادة العسكريين، أي أنّه "استهدف ثلاثة أشخاص بالذات، وتحديداً قائد الجيش الذي تنطبق عليه وحده صفة العماد، ولم يكن ينقص القانون إلا أن يسمّي هؤلاء الثلاثة بأسمائهم" وفق ما جاء في الطعن. وقد أشارت المفكرة القانونيّة في تعليقها على نتائج الطعن إلى وضوح هذه المخالفة الدستوريّة لجهة خرق مبدأ الطبيعة العامة والمجردة للقوانين.
بالإضافة إلى ذلك، فإن شموليّة الاقتراح الحالي ترمي أيضا إلى تجنّب ما وقع فيه قانون 2023 لناحية مخالفة مبدأ المساواة الدستوري إذ بحصره التمديد بعدد محدد من الأفراد في الأسلاك العسكريّة قد حرم باقي الضباط من الاستفادة منه وكسر المساواة فيما بينهم. لذلك جاءت صياغة الاقتراح الحالي عامة وشاملة كي تشمل جميع الذين يوجدون في الأوضاع القانونية ذاتها ما يؤدي إلى احترام مبدأ المساواة.
اقتراح من دون أرقام ومناقض لسياسة منع التوظيف
لا يستند الاقتراح على دراسة تظهر تداعياته المالية على الخزينة العامة بسبب التمديد سنة لكافة المستفيدين من أحكامه لجهة رواتبهم وتعويضات نهاية الخدمة أو معاشاتهم التقاعدية. وإذ تعلن الأسباب الموجبة أن عدم تصحيح تعويضات نهاية الخدمة بسبب انهيار الليرة يؤدي إلى تهديد الاستقرار الاجتماعي لكنه لا يشرح كيف سيؤدي التمديد لسنة واحدة في ظل الإبقاء على الرواتب ذاتها إلى تحسين الوضع الاجتماعي للمستفيدين من القانون كون هذا التمديد سيبقي الموظفين على اختلافهم في الوضعية المالية ذاتها التي يوجدون فيها اليوم.
من جهة أخرى، تعلن الأسباب الموجبة أن الاقتراح يجد مبرراته بسبب تفاقم الشواغر في الوظيفة العامة في ظل الاستمرار باستراتيجية منع التوظيف، علما أن هذه الأخيرة هي سياسة رسمية أقرتها المادة 80 من قانون موازنة 2019. هذا الأمر يعني أن الاقتراح الحالي يعترف بأن مردّ الخلل في عمل مؤسسات الدولة هو العدد المرتفع للمراكز الشاغرة وبالتالي يكون الحل بالتراجع عن سياسة منع التوظيف وممارسة الحكومة لصلاحياتها بتعيين موظفين جدد على أساس الكفاءة وبعيدا عن التحاصص والزبائنية من أجل تفعيل مؤسسات الدولة، وليس عبر التمديد الاختياري لموظفين قد لا يجدون في هذه السنة الإضافية مع الرواتب نفسها ما يشجعهم على الاستمرار في مواقعهم الوظيفية، إلا منافع قد يحصلون عليها بفعل استغلال هذه المواقع.
وهكذا يقوم الاقتراح الحالي مجددا بمصادرة صلاحيات السلطة التنفيذية بتعيين قائد الجيش وغيره من قادة الأجهزة الأمنية، لا بل هو يشكل إقرارا بعجز الحكومة عن القيام بدورها في هذه الظروف الاستثنائية ما يوجب تدخل السلطة التشريعية لتفادي الشغور. فلو كانت الحكومات المتعاقبة قامت بالتعيينات الضرورية عملا بالقوانين النافذة لما كانت الدولة قد وصلت اليوم إلى هذه الحالة من الترهل التي تفرض استخدام هذه الوسيلة الاستثنائية لمنع الشغور التام.
اقتراح مبهم لجهة آلية تطبيقه
من اللافت أن يترك الاقتراح لكافة المشمولين بالتمديد حريّة الخيار في الاستفادة منه، في ما يبدو متناقضًا مع الأسباب التي توجب هذا التمديد، وهي الردّ على تداعيات العدوان الاسرائيلي ماليًّا واجتماعيًّا ومراعاة الظرف الاستثنائي الذي يمرّ به لبنان. فكيف لهذه الاعتبارات الأساسيّة أن تكون مرهونة بخيار المستفيدين من التمديد في البقاء في مراكزهم أو لا، وكيف للسلطة السياسية التي من المفترض أن تكون صاحبة القرار في إدارة شؤون الدولة أن تتخلّى عن سلطتها وتترك الأمر لموظفي القطاع العام وخصوصًا العسكريين منهم في اختيار بقائهم في خدمتهم أو الخروج منها مع ما قد يحمّل ذلك البلاد من تبعات.
وما يفاقم من غرابة الأمر هو افتقار الاقتراح لأي آلية تشرح كيفية ابداء الموظف لرغبته تلك ومن هي الجهة الرسمية المخولة استلام تلك الرغبة واعطائها مفاعيلها القانونية، هذا فضلا عن عدم تحديد مهلة زمنية ملزمة من أجل إبداء تلك الرغبة. كذلك يتبين أن على قائد الجيش على سبيل المثال، في حال رغب بالبقاء في موقعه، أن يتقدم بهكذا طلب إلى جهة ما لا يحددها الاقتراح. فهل عليه أن يتقدم به إلى وزير الدفاع الذي يرفض التواصل معه بسبب الخلاف المستحكم بينهما؟ وما هي الآلية القانونية للتعبير عن رغبة من يريدون الاستمرار في وظيفتهم والتي تضمن أيضا عدم التعسف في تطبيق القانون عبر تنظيم آليات مختلفة وفقا لكل إدارة مؤسسة عامة ما يجعلهم عرضة لاعتباطية من يملك السلطة لا سيما وأن الذين سيحالون على التقاعد في فترة زمنية قصيرة بعد صدور القانون قد لا يتمكنون من إبداء قانونا رغبتهم الاستمرار بوظيفتهم قبل احالتهم على التقاعد بسبب غياب الآلية.
نقطة مبهمة أخرى في الاقتراح تتعلق بفتحه إمكانية التمديد لجميع الموظفين بغض النظر عن متى سيتم إحالتهم على التقاعد، ما يعني أن موظفا في العشرينات من عمره قد يبدي رغبته من الان للتمديد له قبل عشرات السنوات من إحالته إلى التقاعد. ولا شك أن هذا الأمر قد يخلق خللا وتعقيدات كبيرة في الهيكلية العمرية للقطاع العام هذا فضلا على أن القانون لا يشرح عن مدى إمكانية من أبدى رغبته بالتمديد من التراجع عن تلك الرغبة في حال وجد أن مصلحته تقتضي ذلك.
في الخلاصة، يشكل هذا الاقتراح الاستثنائي اعترافا بفشل السلطة الحاكمة التي لم تنجح ببناء إدارة مستقلة عن تقلبات الحياة السياسية، لا بل هو يهدف إلى تحقيق هدف سياسي عبر تمكين قائد الجيش من البقاء في منصبه لكن مع تعميم هذه الإمكانية على جميع الموظفين على اختلافهم.