مكتب المجلس يمدد لنفسه وللجان النيابية: عندما تتحول الاستحقاقات الدستورية إلى عبء مزعج

وسام اللحام

22/10/2024

انشر المقال

فشل المجلس النيابي في 22 تشرين الأول 2024 من الانعقاد من أجل انتخاب لجان نيابية جديدة بالإضافة إلى أميني السر ومفوضي مكتب المجلس جرّاء عدم تأمين النصاب القانوني وحضور 49 نائب فقط للمشاركة في الجلسة. وفي إثر ذلك، اجتمع مكتب المجلس واتخذ القرار التالي: "وبناء على سوابق اعتمدها المجلس النيابي، واستشارة قانونية من الدكتور إدمون رباط، الذي قضى باعتبار اللجان النيابية قائمة بجميع أعضائها، وفقاً لقاعدة استمرارية المؤسسات حتى يتم انتخابها، تقرّر اعتبار هيئة المكتب واللجان النيابية الحالية قائمة بجميع أعضائها الحاليين".

وقد جاء هذا القرار مشابها إلى حدّ كبير بالقرار الذي اتخذه مكتب المجلس بتاريخ 19 تشرين الأول 2019 والذي قضى أيضا بالتمديد للجان النيابية بعد فشل مجلس النواب في الاجتماع بسبب الظروف التي كانت تمر بها البلاد خلال الانتفاضة الشعبية ضد السلطة السياسية التي اندلعت في 17 تشرين الأول من العام نفسه. لكن التمعن في هذا القرار الجديد يظهر مجموعة من الاختلافات الدقيقة مع القرار القديم، لذلك كان لا بدّ من تبيان أوجه الاختلاف والتشابه بينهما وتحديد التداعيات الدستورية المترتبة على هكذا إجراء وفقا للنقاط التالية:

 

  • برر القرار الصادر سنة 2019 التمديد بوجود "الظروف الإستثنائية الحاضرة، ولا سيما الأمنية منها" التي  حالت "دون انعقاد المجلس لإتمام عملية انتخاب اللجان"، بينما غاب هذا التبرير في القرار الجديد الذي اكتفى بالقول أن النصاب القانوني لم يكتمل.
  • جاء القرار الصادر سنة 2019 ليعلن التمديد للجان النيابية فقط بينما القرار الحالي أعلن التمديد ليس فقط للجان النيابية لكن أيضا لأعضاء هيئة مكتب المجلس أي لأمين السر والمفوضين الثلاث الذين كان يتوجب انتخابهم كون ولايتهم هي سنة فقط بينما ولاية باقي أعضاء مكتب المجلس (رئيس المجلس ونائب الرئيس) تمتد على ولاية المجلس.
  • أعلن القرار القديم في حيثياته أن استشارة إدمون رباط تقضي باعتبار اللجان النيابية قائمة بجميع أعضائها "حتى يتم انتخابها" وقد كرر القرار الجديد الأمر نفسه في حيثياته.

 

وكانت المفكرة القانونية قد شرحت جميع هذه النقاط في مقال حول التداعيات القانونية المترتبة عن عدم انعقاد مجلس النواب في جلسته الحكمية عند افتتاح عقد تشرين الأول. ولا شك أن القرار الجديد يعيد طرح الإشكاليات ذاتها التي يمكن اختصارها في الاعتبارات التالية:

جاء التمديد الحالي ليس بسبب تمنع رئيس المجلس عن دعوة مجلس النواب إلى الانعقاد لكن بسبب عدم توفر النصاب، ما يعني أن النواب الذين قرروا مقاطعة الجلسة من دون عذر يتحملون مسؤولية ليس فقط تعطيل البرلمان، لكنهم أيضا تخلفوا عن القيام بواجبهم المفروض عليهم من قبل الدستور الذي جعل أول جلسة من عقد تشرين الأول جلسة حكمية ملزمة. وما يثير الاستغراب هو أن ظروف الحرب التي يمر بها لبنان لا تشكل حائلا لاجتماع البرلمان لا سيما وأن العديد من النواب من كتل مختلفة لا سيما من "التغيريين" كانوا يطالبون بضرورة تفعيل المجلس واستعادته لدوره. فمن خلال توجيه الدعوة من قبل الرئيس نبيه بري ومن ثم تعطيل النصاب يتبين أن الغاية بالاستمرار في تعطيل عمل البرلمان قد تحققت من دون حاجة رئيس المجلس إلى التمنع عن توجيه الدعوة، ما يسمح له بالتنصل من تحمل وزر تهمة إقفال المجلس.

أكثر من ذلك، يتبين أن كتلة لبنان القوي قاطعت الجلسة التي كان من المفترض أن تشهد على إعادة توزيع مناصب أمناء السر ومن ثم رؤساء اللجان بعد انسحاب عدد من النواب من هذه الكتلة والذين كانوا يتولون تلك المناصب. فكتلة لبنان القوي كانت تستطيع بمشاركتها أن تفرض إجراء الانتخابات عبر ترشيح نواب جدد لعضوية مكتب المجلس واللجان النيابية. لكن عدم حضورها أدى فعليا إلى التمديد للنواب الذين انشقوا عنها وبقائهم في منصابهم. وهكذا يتبين أن دعوة رئيس المجلس لم تكن جدية كونه حرص مسبقا على عدم اكتمال النصاب من أجل منع "التوترات" داخل البرلمان وإبقاء الأمور على حالها.

من جهة أخرى، أعلن القرار التمديد لأعضاء مكتب المجلس واللجان النيابية. وعلى الرغم من أن بناءات القرار أشارت أن بقاء اللجان النيابية الحالية يتوقف على إجراء انتخابات جديدة لكنه لم يحدد صراحة متى يجب أن تجري هذه الانتخابات. فعدم اكتمال النصاب يسمح بالتمديد لكن ليس لفترة زمنية مفتوحة بل فقط حتى يتمكن المجلس من الاجتماع في أقرب فرصة وإجراء الانتخابات المتعلقة بمكتب المجلس واللجان. لذلك كان من المفترض على رئيس المجلس توجيه دعوة جديدة للمجلس كي يجتمع مرة ثانية، لا بل هو من واجبه في حال أراد فعليا التقيد باستشارة إدمون رباط التي يذكرها القرار الاستمرار بتوجيه الدعوة تلوَ الأخرى حتى يتمكن المجلس من الاجتماع وإتمام واجبه الدستوري بانتخاب أمناء السر وواجبه الناجم عن النظام الداخلي بانتخاب المفوضين واللجان النيابية. وخلاف ذلك يعني أن دعوة رئيس المجلس اليتيمة كانت مجرد ذريعة كي يتنصل من المسؤولية بينما يستمر تعطيل المجلس لكن هذه المرة بتواطؤ مع كتل أخرى.

والأخطر من ذلك أن التمديد الذي حصل سنة 2019 استمر لسنة كاملة كون المجلس لم يعمد إلى انتخاب أعضاء مكتبه واللجان عندما سنحت له الفرصة لاحقا خلال جلساته التي انعقدت بين تشرين الأول 2019 وتشرين الأول 2020. وهكذا يتبين أن التمديد الحالي لا يجب أن يستمر بانتظار إجراء الانتخابات في السنة المقبلة عند افتتاح عقد تشرين الأول سنة 2025 لكنه يجب أن يقتصر على الفترة التي يفشل فيها المجلس عن الاجتماع بغض النظر عن سبب هذا الفشل.

وما يفاقم من خطورة هذا التمديد هو أنه شمل هذه المرة التمديد لأمناء السر والمفوضين أي أن مكتب المجلس اتخذ قرارا بالتمديد لنفسه وهو أمر مستغرب جدا. فمكتب المجلس هيئة نص الدستور على وجودها، لا بل أن أصول انتخاب رئيس المجلس ونائبه وأمناء السر محددة في المادة 44 من الدستور، ما يعني أن التمديد لأمناء السر يشكل مخالفة دستورية صريحة ولا يمكن تبريره إلا بوجود ظرف استثنائي حال دون إجراء الانتخابات. وفي حال وضعنا جانبا مدى جديّة هذا الظرف الاستثنائي وهل هو فعلا الذي منع المجلس من الاجتماع، يتبين أن التمديد لأمناء السر هو تدبير استثنائي لحين انعقاد المجلس في أول جلسة له وإلا يكون مكتب المجلس قد صادر صلاحيات الهيئة العامة باختيار الجهاز المخول إدارة الحياة النيابية. فمن علامات مقولة "المجلس سيد نفسه" تمكن هذا الأخير من أختيار أعضاء مكتبه، وأما الاستمرار بالتمديد لأمناء السر والمفوضين طوال السنة المقبلة من دون العودة إلى الهيئة العامة ينقلنا واقعا من مقولة المجلس سيد نفسه إلى مقولة "مكتب المجلس سيّد نفسه" بل سيّد على المجلس أيضا.

 

في الخلاصة، يصبح جليا أن دعوة رئيس المجلس إلى جلسة 22 تشرين الحكمية كانت دعوة وهمية توافقت غالبية الكتل النيابية على مقاطعتها من أجل منع "التوترات السياسية". وهي أيضا لم تكن دعوة جدية إذ بمجرد عدم انعقاد الجلسة سارع مكتب المجلس إلى إعلان التمديد من دون أن يقارن ذلك بتوجيه دعوة جديدة بغية إجراء الانتخابات التي يفرضها الدستور والنظام الداخلي. ولا شك أن هذه الحادثة هي بالغة الدلالة كونها تعكس نظرة السلطة السياسية إلى الاستحقاقات الدستورية كعبء مزعج يتوجب التخلص منه بأي طريقة ممكنة. فالمؤسسات الدستورية ليست موجودة كي تشكل الإطار الناظم للحياة السياسية بحيث تنبثق السلطة عنها بل هي في حقيقتها مجرد انعكاس لسلطة أمر واقع تقع خارج المؤسسات وما دور هذه الأخيرة سوى التعبير عن هيمنة السلطة على الدولة والمجتمع.