اقتراح التمديد الثاني لقائد الجيش: تعديل دائم بسبب ظروف مؤقّتة

نيقولا غصن

31/10/2024

انشر المقال

تقدم النائب جورج عدوان بتاريخ 29 تشرين الأول 2024 باقتراح قانون معجل مكرر يرمي إلى تعديل المادة 56 من المرسوم التشريعي رقم 102 الصادر سنة 1983 (قانون الدفاع الوطني) بحيث يصبح سن التسريح الحكمي من الخدمة العائد لرتبة عماد 62 سنة خلافًا للنص المعمول به حاليا والذي يقول بالتسريح الحكمي للعماد عند بلوغه 60 سنة. ويأتي هذا الاقتراح متطابقًا بشكل كبير مع الاقتراح السابق الذي قدمته كتلة الجمهورية القوية في 31 تشرين الأول 2023 للغرض نفسه، مع ملاحظة بعض الفوارق البسيطة في الأسباب الموجبة للقانون.

فقد استعاد الاقتراح الحالي في أسبابه الموجبة الحجج التي تقدمت بها الكتلة السنة الماضية لجهة أن “لبنان يمرّ في واحدة من أصعب المراحل وأدقها” جرّاء الفراغ الدستوري كما “المخاطر الاجتماعية الديمغرافية التي يشكلها الوجود السوري غير الشرعي”، بالإضافة إلى ” المخاطر الاقتصادية التي تسبب بها الانهيار المالي والنقدي” هذا فضلا عن حرب غزة وما رافقها من “تدهور عسكري على حدودنا الجنوبية، وما يمكن أن يستتبعه ذلك من توسّع دائرة الحرب وشمولها وتحوّلها حربًا تدميريّة على لبنان”.

وكررت الأسباب الموجبة أيضا الكلام عن أهمية المؤسسة العسكرية وما تشكله من ضمانة لمنع تفاقم الأمور والمس بأمن لبنان ما يوجب “على السلطة السياسية المتمثلة بالسلطة التشريعية مسؤولية حمايته” لمنع الانفجار وانهيار ما تبقى من كيان الدولة.

وإذ شددت الأسباب الموجبة مجددا على خطر الفراغ على مستوى قيادة الجيش نظرا لحالة الضرورة القصوى ما يوجب منعه “كون ذلك يشكل مصلحة وطنية وله طابع استثنائي في هذه المرحلة”، لكنها أضافت فقرة جديدة لا نجدها في الأسباب الموجبة للاقتراح القديم بحيث جرى تبرير الاقتراح بحاجة الجيش لما “يمكن أن يقدمه المعني للمؤسسة العسكرية من خبرة وتجربة صقلتها السنون”.

أن هذا الاقتراح يستدعي الملاحظات التالية:

اقتراح دائم في ظروف استثنائية

يهدف الاقتراح إلى إدخال تعديل على قانون الدفاع الوطني بحيث يتم رفع سن تسريح العماد قائد الجيش إلى 62 سنة بدل 60 سنة وفقا للنص الحالي. وهكذا يتبين أن هذا التعديل هو دائم بينما الأسباب الموجبة تبرره بشكل رئيسي بالظروف الاستثنائية التي يمرّ بها لبنان على الرغم من أنها تشير بشكل سريع أن “سن التسريح الحكمي للقادة في الجيوش الأخرى يفوق ما هو محدد في قانون الدفاع الحالي” من دون تقديم أي شرح آخر أو إعطاء أمثلة محددة.

وعلى الرغم من أن الاقتراح ينطوي على أحكام عامة لكن المستفيد منه في الحقيقة هو قائد الجيش الحالي، ما يعني أن التعديل الدائم لسن التسريح الحكمي لا تبرره اعتبارات موضوعية تفرضها حاجات المؤسسة العسكرية، بل مصالح سياسية يجد مقدم الاقتراح أن الحفاظ عليها يتطلب بقاء قائد الجيش جوزيف عون في منصبه لا سيما مع ازدياد الحديث عن وجود رغبة دولية في انتخابه كرئيس للجمهورية. 

كذلك لا بد من التذكير أن الاقتراح الذي تقدمت به كتلة الجمهورية القوية سنة 2023 والشبيه جدا بالاقتراح الحالي لم يتم تبنيه إذ عمد مجلس النواب إلى إقرار قانون مختلف صدر في 31 كانون الأول 2023 ونص بصورة استثنائية على تمديد سن تقاعد قائد الجيش وقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية الذين يمارسون مهامهم لمدة سنة من تاريخ إحالتهم إلى التقاعد.

فالقانون الذي صدر كانت أحكامه استثنائية أي أنه يعمل به لمرة واحدة وهو شمل جميع قادة الأجهزة الأمنية العسكرية. فقائد الجيش الحالي بلغ سن التسريح الحكمي (60 سنة) في كانون الثاني 2024 لكنه استمر في موقعه عملا بهذا القانون الاستثنائي الذي مدد له سنة من دون تعديل سن التقاعد، بينما الاقتراح الحالي بنصه على أن التسريح الحكمي لقائد الجيش هو 62 سنة يكون قد أخذ في عين الاعتبار أن جوزيف عون سيكمل عامه ال 61 في مطلع السنة المقبلة. وهذا ما يؤكد الطبيعة الاستثنائية والشخصية للاقتراح على رغم من صياغته العامة كونه يقوم برفع سن التسريح مباشرة من 60 إلى 62 كي يتمكن قائد الجيش الحالي من الاستفادة منه.

اقتراح معجل مكرر لمجلس معطّل

من الممكن تفسير صيغة المعجل المكرر لهذا الاقتراح علي أنّه حلّ لمعضلة عدم التئام اللجان النيابية في المجلس، التي توقفت عن الاجتماع بعد اشتداد العدوان الاسرائيلي على لبنان وتوسعه في أواخر أيلول 2024. فعندما يتم تقديم اقتراح بصيغة المعجل المكرر يمكن لرئيس المجلس عرضه مباشرة على الهيئة العامة من دون إحالته إلى اللجان النيابية.

لكن الاعتبارات الأمنية لا تكفي من أجل تبرير تعطيل عمل اللجان النيابية كون النواب يقومون بعقد اجتماعات في المجلس ومن مختلف الكتل. لذلك لا يمكن تفسير توقف عمل اللجان إلا من أجل تفادي التوتر السياسي الناجم عن تقاذف المسؤولية حول أسباب اندلاع الحرب . لكن عدم المرور في اللجان عبر صيغة الاستعجال المكرر لا تضمن أن هذا التعطيل لن ينسحب على المجلس أيضا حيث أن الهيئة العامة هي بدورها باتت معطّلة وهذا ما ظهر جليا في  جلسة انتخاب أمناء السر واللجان في 22 تشرين الأول 2024 التي لم تنعقد بسبب عدم اكتمال النصاب، فيما فُسّر على أنّه محاولة لمنع اندلاع الخلاف بين النواب وتطوّره إلى “فتنة سياسية” لا سيما في هذه الظروف الاستثنائية التي يمرّ بها لبنان والتي تتطلب أعلى درجات الوحدة والتضامن الوطني. وبالتالي، فإن مصير اقتراح التمديد لقائد الجيش أمامه عقبات جدّية وفرص أضيق في التصديق مقارنة مع السنة الماضية، ما يفتح المجال أمام خروج قائد الجيش من خدمته العسكرية إلى التقاعد وحدوث فراغ في الموقع. 

ما هو دور مجلس الوزراء ؟ 

أمام هذه الوقائع، يبقى السؤال عن دور الحكومة كون تعيين قائد الجيش هو من صلب صلاحياتها ولا يحتاج إلى تدخل من السلطة التشريعية. فمجلس الوزراء يمكنه، حتى لو كان دوره يقتصر على تصريف الأعمال أن يقوم بتعيين قائد جديد للجيش نظرا للظروف الطارئة التي تجعل هكذا خطوة دستورية ولا تخالف نظرية تصريف الأعمال. فإذا كان المطلوب هو فقط منع الفراغ في قيادة الجيش يمكن لمجلس الوزراء بكل بساطة أن يصدر مرسوما بتعيين القائد الجديد لكن الواقع يشير إلى حقيقة مغايرة كون الهدف السياسي للاقتراح هو التمديد للعماد جوزيف عون شخصيا أكثر منه تمديدًا تحتّمه الأوضاع الأمنية. فالخلاف المستحكم داخل مجلس الوزراء لا سيما مع وزير الدفاع حول مسألة قيادة الجيش جعلت الحل التشريعي هو الحل الوحيد المتاح من أجل تجاوز السلطة التنفيذية وفرض التمديد عبر قانون.  

بالإضافة إلى ذلك، لا بدّ من التساؤل حول سبب اقتصار الاقتراح على التمديد لقائد الجيش فقط بينما الظروف الاستثنائية الخطيرة التي تسهب الأسباب الموجبة في الإشارة إليها تبرر التمديد أيضًا لكافة قادة الأجهزة الأمنية المعرّضة للفراغ قريبًا كون القانون الذي مدد لها تقتصر مفاعيله على سنة من تاريخ الإحالة على التقاعد، ما يؤكد مجددا أن هذا الاقتراح مفصّل على قياس قائد الجيش وبهدف إلى الحفاظ على حظوظه في الانتخابات الرئاسية. 

في الخلاصة، يتبيّن أن الاقتراح الحالي يتذرّع بالظروف الاستثنائية من أجل إدخال تعديلات دائمة على قانون الدفاع الوطني، لكن تجنب الفراغ لا يتطلّب تدخّلًا تشريعيًّا كون المادة 21 من قانون الدفاع الوطني تنص على أن “ينوب رئيس الأركان عن قائد الجيش في حال غيابه ويمارس مهامه وصلاحياته طيلة فترة غيابه”. لكن حتى هذا الحل القانوني دونه عقبات كون تعيين رئيس الأركان الحالي تم بطريقة مشكوك جدًّا بمدى قانونيتها لا سيما وأن وزير الدفاع لم يعترف بهكذا تعيين. وهكذا يتبيّن أن الحل الوحيد المتبقي نظرًا لتعطيل مجلس الوزراء بسبب تضارب المصالح السياسية بين القوى المهيمنة عليه بات اللجوء إلى مجلس النواب عبر تبني قوانين استثنائية تهدف إلى تحقيق مصالح شخصية حتى لو جاءت بصيغة عامة.